مقالات الرأي

ياسر عرمان هلا تمهلت (5)

.

بقلم: الصادق علي حسن

السودان دولة مصنوعة حديثا كما وغالبية دول العالم بجغرافياتها الحالية صنعت في القرون الستة الماضية، بدأت صناعة دول في عام 1494 بتوقيع معاهدة توردسيلاس بين ملكي أسبانيا والبرتقال برعاية البابا عقب عودة كولمبس من رحلة اكتشاف اراضي الدنيا الجديدة وبذلك التقسيم شرقا وغربا صارت دولة البرازيل في أمريكا الجنوبية الوحيدة التي تتحدث اللغة البرتقالية، ثم صلح وستفاليا في 1640ودخول بريطانيا وفرنسا وهولندا في قسمة اراضي الشعوب خارج أوربا كغنائم فيما بينها ، وقد أسس الصلح المذكور قواعد إتخاذ المعاهدات الدولية مرجعية لإنشاء الإلتزامات القانونية الملزمة والسيطرة على الأراضى خارج أوربا وقسمتها ، ثم معاهدة باريس في عام 1783 ، ومؤتمر فيينا في عامي 1814 و 1815 ثم معاهدة فرساي عام 1919 التي قسمت أملاك الأمبراطوية العثمانية والتي ارتبطت قسمتها بأنشاء دول الشرق الأوسط ودولتي مصر والسودان ، كانت الأراضي التي تضم جغرافية اراضي دولة السودان الحالية تضم سلطنات وممالك وممكوك ومشخيات وبدولة السودان الحالية كانت نشأت اعراق الحضارات الإنسانية القديمة في العالم وهي مماليك النوبة القديمة ، لم يتم توظيف الإرث الحضاري التاريخي في أرض السودان في بناء الدولة الحديثة وهنا مكمن الأزمة السودانية ، وهذه لم تكن مسؤولية المستعمر ،كما ومهما كانت بتجربة الإستعمار من مثالب تظل من ضمن تجارب الشعوب التي مرت بها، وهنالك إختلاف كبير بين الإستعمار التركي للأراضي السودانية والذي استهدف الحصول على الذهب والرجال خدمة لأهداف أسرة محمد علي باشا التوسعية لبناء امبراطورية خاصة بها على حساب الأمبراطورية العثمانية والإستعمار الثنائي أو الأصح الإنجليزي الذي أسس للدولة السودانية الحديثة .
مشروع دولة 1956م
مشروع تأسيس الدولة السودانية والذي تمت اجازة قواعده الخمس في عام 1955م من المشروعات العظيمة بل قد يكون من اعظم مشروعات تأسيس الدول التي خلفها الإستعمار الإنجليزي في كل مستعمراته حول العالم وأشبه ما يكون لمشروعي تأسيس دولتي أستراليا وكندا ، ومن المؤكد أفضل من مشروعات تأسيس اراضي دول الجزيرة العربية واليمن والشام التي كان الشريف حسين بن على شريف مكة يطمح جاهدا ليكون ملكا عليها بموجب وعد قطعه له الإنجليز ولم يفوا به ،وقسمت اراضي العرب والأكراد وفلسطين إلى دويلات عقب معاهدة فرساي وصار الشيخ سعود وابناؤه من بعده ملوكا منذ عام 1923م على أراضي الحجاز ونجد وما حولهما بإسم المملكة العربية السعودية، ولم يحصل أبناء وأحفاد شريف مكة سوى على اقطاعيات بنهر الأردن والعرق وسوريا ولم يتبق لهم منها سوى المملكة الإردنية الهاشمية وذهبت فلسطين لأسرائيل بوعد بلفور ، وبالقياس كان يمكن لمشروع الدولة السودانية بقواعد التأسيس الخمس المجازة ان يكون السودان مثل مستعمرتي انجلترا (أستراليا وكندا) في النمو والرقي والتطور لو لم يلازم انفاذ المشروع التنافس غير الحميد بين المكونات السياسية الحزبية السودانية وقد ترك المستعمر الإنجليزي عملة تعادل ما يقارب اربعة دولارات أمريكية واقتصاد مزدهر واساس متين لتنمية المشروعات الإقتصادية بالبلاد مثل مشروع الجزيرة وسدود المياه والخزانات والسكك الحديدية وقد خرج المستعمر كان هنالك منظومة إدارية متكاملة لإدارة الدولة وجيش موحد وأحزاب تم تأهليها بالممارسة من خلال المجلس الإستشاري لشمال السودان وبرلمان تقرير المصير الذي تم إنتخابه في عام 1953 في إنتخابات عامة ومراقبة دوليا ،دولة كان يدخلها المستثمرون للإستثمار بشروط القدرة والكفاءة المالية، ولكن من خلال الممارسة السياسية غير الرشيدة تم تشويه مشروع التأسيس حتى برزت بعض الأصوات عقب إندلاع الحرب الدائرة بين البرهان وحميدتي تطالب بإنهاء مشروع الدولة وهي لا تدري بان إنهاء مشروع دولة 1956 يعني إعادة إوضاع البلاد إلى ما قبل الإستقلال والتنازع بين مكونات الدولة حول تأسيسها ، كما وفي ظل هشاشة الأوضاع بالبلاد لن يتم الإتفاق على أي مشروع وهنالك تجربة إنفصال جنوب السودان ، وما سيتم الإتفاق عليه بين النخب السياسية مثل الإتفاق الإطاري لن يصلح ، وبالتالي ستنهار الدولة السودانية .
عرمان ومشروع الإتفاق الإطاري :
مشروع الإتفاق الإطاري هو ثاني أفشل مشروعان دستوريان يمران على تاريخ التشريع الدستوري بالبلاد وهما (مشروعي الوثيقة الدستورية المعيبة ومشروع الإتفاق الإطاري المعيب) ، الأستاذ ياسر عرمان حتى بعد نشوب الحرب العبثية الدائرة ومن اسبابها الإتفاق الإطاري ينتظر العودة إلى ذات نقطة توقف الإتفاق الإطاري وتسوية الأمور الخلافية بين البرهان وحميدتي من خلاله، وكأنه لا يدرك انه وعقب الحرب ورواسبها العميقة لن تكون الممارسة المستقبلية كالسابقة كما ولا جدوى لأي إنتخابات عامة في ظل ظروف ما بعد الحرب بل ستؤدي الإنتخابات في مثل هكذا ظروف ومنازعات مجتمعية إلى تكريس أسباب التشظي والإنقسامات الجهوية والقبلية وقد تعددت وكثرت الكيانات والتنظيمات والأحزاب والحركات وصار تأسيسها لا يحتاج سوى إلى اصدار بيان منشور في الواتساب ، ولو بدأ الأستاذ ياسر عرمان بالنظر في الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي التي يقودها وتجربته الشخصية بعد إنفصال جنوب السودان لوجد اللواء تلفون كوكو أبو جلحة لايزال متمسكا باسم الحركة بجنوب السودان ثم في مرحلة القيادة الثلاثية(عقار، الحلو ، عرمان) انتهت بخروج الحلو ومعه غالبية الأراضى خارج سيطرة حكومة الخرطوم وبجماهيرها ، ثم ترميم الحركة بإعادة اللواء خميس جلاب للأمانة العامة ثم خروج جلاب وقبله اللواء دانيال كودي وقد أسسا حركتان مستقلتان بهما ، ثم عقب قرارات البرهان في 25 أكتوبر 2021 وحدوث إختلاف بينه وبين السيد مالك عقار ، تمسك عقار بالمنصب السيادي ويُحمد للأستاذ ياسر عرمان انحيازه لشعارات الثورة والشارع والخروج من السلطة وقد كون الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي التي يقودها بنفسه الآن من خلال التعديل في عجز الأسم ، ولطالما صار تكوين الحركات بهذه السهولة واليسر فكيف يتم التأسيس لنظام ديمقراطي مستقر وهنالك عشرات الحركات المسلحة وعشرات الأحزاب ، ثم إذا أخذنا تجربة الجبهة الثورية السودانية والتي يقودها د الهادي إدريس كمثال، لقد تكونت الجبهة الثورية وترأسها قبل الإنقسام الذي ضرب الثلاثي (عقار والحلو وعرمان) السيد مالك عقار وانضمت التنظيمات الحزبية المدنية إليها وحينما انتهت فترة رئاسة مالك عقار للجبهة الثورية أمتنعت حركته عن تسليم رئاستها لإحدى الحركتين وهما حركة العدل والمساواة برئاسة د جبريل إبراهيم وتحرير السودان بقيادة مناوي بحجج ومبررات لم تكن مقنعة لشركائهم الآخرين وانقسمت الجبهة الثورية، ثم تأسست الجبهة الثورية السودانية قبيل مفاوضات جوبا وأسندت رئاستها للدكتور الهادي إدريس ، الهادي إدريس نفسه من الخريجين الذين انضموا للحركة الشعبية برئاسة عبد الواحد محمد النور والتحقوا بصفوفها في عام 2005 ولم يكن ناشطا وسط الطلاب والخربجين بالجامعات مثل زملائه من أمثال أسماعيل موسفيني الذي كان الأكثر نشاطا في تنظيم الجبهة الشعبية المتحدة UPF وفي استعجال خرج الهادي إدريس عن رئاسة عبد الواحد النور ثم لاحقا وعقب سنوات أسندت إليه رئاسة الجبهة الثورية السودانية، كما صار عضوا بمجلس السيادة بموجب إتفاق سلام جوبا ولم ينشط منذ عودته للخرطوم في تنظيم أوترتيب صفوف الجبهة الثورية السودانية التي يترأسها لتتحول بكل مكوناتها إلى تنظيمات أو أحزاب سياسية تخوض الإنتخابات العامة المحتملة واكتفى بمزايا ومظاهر السلطة الشكلية مثله مثل السيد الطاهر حجر ، لا برامج سياسية مطروحة، لا أنشطة جماهيرية أو فعاليات حزبية أو سياسية فقط استقبالات السلطة ومظاهرها الرسمية بالقصر الجمهوري والحشود المعدة بالولايات، كما ولم يكن لهما أي استعداد للتنافس السياسي الحر المحتمل مثلهما الناطق الرسمي للجبهة الثورية السودانية الأستاذ اسامة سعيد والذي لا يظهر ألا في الإجتماعات المصورة وإصدار البيانات والتصريحات ، هذه الأجسام التي ترفع لافتات بأسماء الحركات المسلحة تحتاج ان تطرح برامجها للشعب السوداني الآن قبل اي وقت مضى ، ماذا ستفعل لوقف الحرب وعقب وقفها وهل لا تزال تتمسك بالإتفاق الإطاري وعملية مفضية لإنتخابات عامة من خلاله وكيف ؟, ثم ماذا عملت او اعدت هذه الأيام للإنتخابات العامة المحتملة لكسب صوت الناخب .
الإطاري يقسم محامو الطوارئ :
محامو الطوارئ من أهم الأجسام التي ظهرت عقب قرارات البرهان الصادرة في 25 أكتوبر 2021 وكان من أوائل الذين برزوا قبل الإعلان عن تأسيس محامو الطوارئ بأقسام الشرطة والنيابات العامة د أمجد الجبلابي الذي أضعف النظام بصره تحت وطأة الإعتقال والتعذيب داخل معتقلاته وبيوت الأشباح وظل د أمجد صامدا وبصيرته متوهجة وحاضرا في كل محافل ومنابر مناهضة النظام البائد بروح عالية ،واصبح محامو الطوارئ في فترة وجيزة هيئة دفاع متكاملة بالعاصمة وكل ولايات السودان دفاعا عن قوى الثورة وشباب لجان المقاومة وهي مؤسسة حقوقية فعلية ضمت كل التنظيمات الحزبية والسياسية والمستقلين من دون توظيف لأي إتجاه سياسي وبتجرد عن السياسة والحزبية ونكران الذات ، ولكن بمثلما جمعت مكونات قوى الإطاري العديد من اللافتات المصنوعة سعت بمدخل توسيع منبر جدة لضم تنظيمات مدنية وإستغلال اسم محامو الطوارئ بتمثيل احد منسوبيها بصفة محامي الطوارئ ومن دون الرجوع للجسم فانقسم محامو الطوارئ وخرج العديد من عضويتهم ليصبح محامو الطوارئ أول قوى مدنية حقيقية أنقسمت بسبب استقطاب منبر جدة الذي بدأ بالفعل يمارس الإستقطاب، فمهلا مهلا يا الأستاذ ياسر عرمان واليوم ليس كالأمس – نواصل .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x