مقالات الرأي

إنهيار الجيش السوداني بات وشيكاً…!!

بقلم: االسمؤال جمال

المتابع لمجريات الصراع في السودان وما صاحب الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع من تحشيد وتعبئة ذات طابع عرقي وجهوي وما حدث من إصطفافات بائنة ليست بين العوام فقط بل ما يطلق عليهم المثقفين والكتاب والمفكرين قد وقعوا في حبائل هذه الإصطفافات وإن تدثروا بأثواب القومية والوحدة الوطنية، فإن كان هنالك خير في هذه الحرب، فقد نزعت عن الجميع أوراق توت العنصرية والعرقية والجهوية وباتوا عراة أمام الحقيقية التي لا تقبل جدال..!!.

ما يسمى بالجيش السوداني قد واجه حروب تمرد منذ عام 1955، ورغم الهزائم التي تعرض لها من هذه المجموعات المتمردة التي جعلته ينشيء مليشيات قبلية ومناطقية وقوات رديفة إلا إنه حافظ على توازنه ولم ينهار كلياً مثل كثير من الجيوش في دول الجوار التي تعرضت لتجارب ثورات مسلحة استطاعت سحق الجيوش الوطنية وتغيير النظام فيها بقوة السلاح (نموذج شرق إفريقيا) كما حدث في تشاد وليبيا ويوغندا وغيرها من الأمثلة.
في السودان لم تستطع كل ثورات الكفاح المسلحة ومنذ حركة الأناتيا الأولى تحقيق هزيمة استراتيجية تسحق الجيش وتغير النظام الحاكم بقوة السلاح، وإلا إنها اضعفت تماسكه جراء الهزائم المريرة التي تكبدها في مئات المعارك ،أما الحرب الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع تختلف كلياً عن الحروب السابقة ، كونها حرباً بين قوتين رسميتين وفقاً للدستور الناظم للحياة السياسية وما تفرع منه من تشريعات، والتي بفضلها صارت قوات الدعم السريع قوة موازية للجيش والعمود الفقري لأي جيش في العالم (قوات المشاة) وما يتوفر لها من قوة إقتصادية مستقلة عن الدولة ،وتسليح جيد يفوق ما عند الجيش أحياناً إذا سحبنا سلاحي المدرعات والطيران.

بغض النظر عن ماهية الطرف الذي بدأ الحرب ولماذا، وهو معلوم بالضرورة، إلا أن الخطاب التحريضي التعبوي للجيش وأنصاره ، حرف تعريف الحرب كونها حرباً بين الجيش وقوات الدعم السريع “التي خرجت من رحمه” ووصفوها بأنها حرب بين الجيش ومكونات إجتماعية “العطاوة/جنيد” والتي لها إمدادات في أكثر من خمسة دولة إفريقية، ظناً منهم أن هكذا خطاب سوف يحقق لهم الإنتصار المزعوم وعزل قوات الدعم السريع من محيطها الوطني إلى رحاب العرق والجهة، ونسوا أو تناسوا أن معظم القبائل في كردفان ودارفور والنيل الأزرق ووسط وشمال السودان لديها وجود معتبر في الدعم السريع، ولا ينكر ذلك إلا ضال أو مضلل.

الخطاب التعبوي للجيش ومسانديه أتى بنتائج عكسية، حيث إلتحق الآلاف من شباب هذه المكونات المستهدفة بقوات الدعم السريع لحماية أنفسهم ورد الإستهداف الممنهج للمواطنين من رعاياهم والذين تعرض المئات منهم للقتل والإعتقال والإختفاء القسري، لا لذنب سوي إنهم ينحدرون من هذه القبائل المغضوب عليها، وإمعانا في إستئصالهم من السودان وصفوا ب”عربان الشتات” وتصوير الأمر كأن الجيش يقاتل قوات أجنبية وليسوا سودانيين ، وهذا يؤكد ضحالة تفكير العقلية الصفوية التي تدعي إمتلاك شهادة بحث السودان والمالكة لصكوك الوطنية والقومية ،وكل من يخرج عن طوعها إما مرتد كافر يجب مجاهدته كما حدث في جنوب السودان وجبال النوبة وإما زرقة “عبيد” يجب إبادتهم كما حدث في دارفور، أو غازي أجنبى كما حدث مع العميد محمد نور سعد ويحدث حالياً مع قوات الدعم السريع، وللدقة يحدث مع كيان العطاوة وجنيد..!!

لأول مرة في تاريخ الحرب في السودان يخسر الجيش 60 طائرة حربية تم اسقاطها أو حرقها خلال فترة ستة شهور في مروي والخرطوم ونيالا، ويفقد أكثر من ثلاثة آلاف ضابط، ثلثهم من الرتب الرفيعة “ضابط عظيم” والآلاف من الجرحي وعشرات الآلاف من الأسري وأضعافهم من الجرحي والمصابين، ومن بقى من الحيش محاصر في ثكناته ولم يستطع استراد أي موقع خسره منذ بداية الحرب ولغاية الآن…!!.

بدأت ملامح إنهيار الجيش تلوح في الأفق، لا سيما وأن هنالك الآلاف من الجنود والضباط قد إنشقوا وأعلنوا إنضمامهم لقوات الدعم السريع ، آخرهم اللواء ركن/ محمد علوي كوكو ومجموعته ، وبلا شك سوف يلحق بهم آخرون لا سيما إذا استمر خطاب الكراهية العرقية والمناطقية واستهداف المواطنين العزل على أسس قبلية وجغرافية لا تراعي وحدة السودان والوجدان الوطني المشترك، فقد تتوقف الحرب اليوم أو غداً ولكن الممارسات العنصرية سوف تستمر لعقود وأجيال قادمة، ومن يظن أن توقيع تسوية سياسية سوف يزيل ما علق بالنفوس بجرة قلم فهو واهم، وهذا الخطاب العنصري الإستعلائي هو الذي قاد جنوب السودان إلى تقرير مصيره لو تعقلون.

أتوقع إذا استمرت هذه الحرب لمدة ستة شهور أخرى، سيحدث إنهيار كامل للجيش بعد هروب قائدة وسلك الكباشى لنفس طريق الهروب، لجهة أخرى أن بنيته وتركيبته هشة، لا تعبر عن قومية السودان، وليست لديه عقيدة وطنية، بل طوال تاريخه قد برع في قتال المواطنين السودانيين وإنشاء المليشيات القبلية والجهوية وشن الإنقلابات العسكرية، ولا يوجد أي سوداني سليم الوجدان يفتخر ويعتز بهكذا جيش، اللهم إلا إذا كان من المنتفعين من هذه المؤسسة وما تخلقه من أنظمة دكتاتورية قمعية أو موالاة أنظمة طائفية (دكتاتورية مدنية).
إن المستنفرون من “بعض الولايات” ما هم إلا نسخة معدلة ومستحدثة من كتائب الدفاع الشعبي والمجاهدين والمليشيات القبلية والجهوية، ولا يتصور عاقل إنهم سيحققون نصراً عزّ على “الجيش الرسمي” والذي يفوقهم تدريباً وتأهيلاً وخبرة في القتال…!!.

إن وقف الحرب وإنهاء كافة مظاهرها اليوم قبل الغد والدخول في مشروع وطني يخاطب جذور الأزمات التأريخية المتراكمة وفق أسس صحيحة بات مطلوباً أكثر من أي وقت مضى، كي نحافظ على ما تبقى من السودان، ونعمل بأن تكون هذه الحرب هي آخر الحروب في السودان.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x