مقالات الرأي

التحول الديمقراطي في السودان بين التطبيق والتنظير…!!

بقلم: محمد عبد الرحمن

إن التحول الديمقراطي التي يحلم  بها السودان منذ أن رفعت راية الصفقة الثنائية بين المستعمر وأبناء الجلابة من الشريط النيلي كغيره من بهاء السودان الواسع جغرافياً ومتعدد ثقافيا ودينياً ،  ليست عملية سهلة او يسيرة والتي تخللها انتقال السودان من نظام حكم شمولي يرتكز على قبضة العسكر و الى نظام الحزب الواحد دون غيره بتوجه نحو السعي الى التحول الديمقراطي، و التي عرقتلها الكثير من العقبات والمعوقات التي أثرت بشكل جدي في مجمل عملية التحول الديمقراطي، وجعلتها في كثير من الاحيان امام امتحانات عسيرة، جعلت كثيرين يشككون بامكانية نجاحها لاسيما وان تعارض المصالح بدا واضحا ً فيها بين فريقين احدهما مؤيد لاجراء الاصلاحات السياسية والاقتصادية كنقطة انطلاق في التحول الديمقراطي، ولآخر معارض للاستمرار بتلك الاصلاحات جملة وتفصيلا ً ويرمي الى الابقاء على الهياكل السياسية والاقتصادية التي سارت عليها السودان منذ استقلالها سنة ١٩٥٦م
 وبين هذا الفريق وذاك برز فريق ثالث يرى اجراء الاصلاحات سبيلاً لاخراج النظام السياسي من ازمته التي بلغت الذروة سنة ١٩٦٤، وفي الوقت نفسه يرفض ان تكون تلك الاصلاحات غير مقيدة او مشروطة.
ونرى ان الفريق الثالث كانت له الغلبة في تسيير رأيه على رأي الفريقين الاولين ودفعه باتجاه تحول ديمقراطي اقلّ ما يمكن ان يقال عنه انه مقيد، لا بل يمكن ان يقال عنه انه مفروض. الشروع بهذا النهج وفرضه على عملية التحول الديمقراطي في السودان كان يمثل استجابة لاسباب داخلية موجودة اصلا ً ولم تحصل على حلول جدية طيلة الحقبة السابقة لعملية التحول الديمقراطي، فضلاً عن استجابة لاسباب خارجية عصفت بالنظام السياسي السوداني و لم ترغمه على التحول.
الى ذلك، نحاول الاجابة عبر هذا البحث عن الاسباب التي تؤدي بالسودان الى التحول الديمقراطي، والمعوقات الرئيسة التي تقف حيالها فضلا ً عن استشراف مستقبلها؟
أسباب غياب التحول الديمقراطي
لم يكن التحول الديمقراطي التي غاب عن السودان منذ يناير ١٩٥٦، لم يكن الغياب هذا طبيعياً او ناتجاً لأداء النظام السياسي السوداني في ترقية العلاقة بينه وبين المجتمع، وانما تقف وراء ذلك التحول الكثير من الأسباب، اهمها:
اولا ً: ضعف استجابة النظام السياسي للمطالب المجتمعية اقتصاديا ً وسياسياً. و هي متوارثة في شكل أزمات
الازمة الاقتصادية: شهدت السودان منذ النصف الثاني من خمسينات القرن التاسع عشر تدهوراً اقتصاديا ً واضحا ًوهو ما كشفت عنه بوضوح مؤشرات النشاط الاقتصادي  وتمثلت ابرز مظاهرها في، تراجع الناتج القومي الأمر الذي  يؤشـر حالـة التدهـور في تلبيــة احتياجـات المواطنين والعجز في ميزان الحساب الجاري -انخفاض قيمة الصادرات السودانية من المحروقات،
نتج عن ذلك الانخفاض العجزٌ في تلبية المطالب الاجتماعية المتصاعدة باستمرار جراء الزيادة السكانية ومن جراء الآلة الانتاجية المفككة التي أصبحت عاجزة و بالإضافة إلى المديونية الخارجية وارتفاعها وكان من الطبيعي ان يؤدي الانكماش في الواردات في السلع الغذائية الى تباطؤ في النشاط الاقتصادي. و المخزون من مستلزمات الإنتاج وفي الأساس لا يوجد مخزون نتيجة لغياب مصادر ومشاريع الإنتاج الأمر  ينعكس سلباً على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن
وضاعف من حدة المشكلات الاقتصاديةوالاجتماعية و خطورتها ستكون محصلة  مجموعة من العوامل اهمها:

  • ارتفاع معدل الزيادة السكانية في السودان  من اعلى المعدلات في العالم . ترتب  السكان اعمارهم دون سن العشرين. وهو ما يلقي اعباءً ثقيلةً فيما يتعلق بخدمات التعليم والصحة والاسكان والصرف الصحي… وتوفير فرص عمل حقيقية لتلك الاجيال الناشئة حفاظاً على الامن الاجتماعي والاستقرار الحياتي. وفي مثل هذه الحالة فإن هؤلاء الشباب مستعدون للأنخراط في اعمال عدائية ضد النظام السياسي.
    _ استشراء الفساد في بعض القطاعات الحكومية واضراره بالمصلحة العامة وبالاقتصاد الوطني  وتمثلت احدى اهم مظاهر الفساد في قطاع البترول والغاز وقطاع التعدين ( سيطرة دقلو في مفاصل التعدين) ، ويبدو ان وطأة الآثار الناجمة عن تدهور الوضع الاقتصادي واعبائه على النظام السياسي السوداني . قد بدا واضحاً  و هو تراكم الأزمات واحساس المواطنين بها مما أفرزت عن ذلك قيام ثورة ديسمبر وهي بمثابة ثورة تراكمية لأحداث تغيرات في بنية الحياة السياسية والاجتماعية ومعالجة مشكلة الاقتصاد.
    اضيف عنصر آخر لازمة النظام السياسي متمثلة بازمة العلاقة بين النظام السياسي والاجتماعي.
    ثانياً – ازمة المشاركة السياسية:
    شهدت السودان ازمة المشاركة السياسية. وتصبح المشاركة السياسية ازمة من ازمات التنمية السياسية” عندما تأخذ جماعات جديدة بالمطالبة باشراكها في الحكم على نحو أو آخر . وفي الوقت نفسه تنطوي على ازمة شرعية وتشكل تهديدا ً لمركز الجماعة الحاكمة وعلى الاخص اذا بدات هذه الاخيرة لعدم الإستجواب الى مطالب القوى الصاعدة ولاريب ان كل ما يؤدي الى تغيير المجتمع ماديا ً كالتصنيع والتكنولوجيا او اعادة النظر في النظم الزراعية وغير ذلك يؤدي الى تصاعد جماعات اجتماعية تطالب باشراكها في الحكم.  ( ترك نموزجاً) 
    واستنادا ً الى ما تقدم فان المشاركة السياسية تصبح ازمة في حالات هي:
    1- ظهور جماعات تطالب باشراكها في الحكم.
    2- عدم استجابة الجماعة الحاكمة الى مطالب القوى الاجتماعية الصاعدة.
    وهنا لابد من التاكيد على ان السودان لم  تعرف نوعاً من المشاركة يتفق في خطوطه العامة مع ما عرفته معظم بلدان العالم الثالث وهو ما يمكن ان يكون اقرب الى مفهوم التعبئة  منه الى المشاركة، كمبدأ سياسي وكاجراء نظامي وكجوهر لمفهوم الديمقراطية في الممارسة السياسية.

  سننشر في المقال القادم متطلبات التحول الديمقراطي
والمعوقات ومستقبل التحول الديمقراطي في السودان.  

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x