مقالات الرأي

الحركات المسلحة والدعم السريع بدارفور والسودان أوضاعهما الحالية والمستقبلية (4)


بقلم: الصادق علي حسن

البرهان وحميدتي .
لا توجد قوى غير مدركة ومتلهفة للسلطة مثل القوى التي أسمت نفسها بالقوى المدنية الموقعة على الإتفاق الإطاري ،وتضم هذه القوى لأفتات لأحزاب بلا جماهير ولافتات أخرى تحمل اسماء تنظيمات مدنية غير موجودة على أرض الواقع ولافتة ضخمة بإسم تجمع المهنيين والمهنيون لا صلة لهم بهذه اللافتة الكبيرة المنصوبة والتي أنقسمت إلى إثنين، وفي ظل هشاشة الأوضاع العامة بالبلاد وضعف القوى السياسية ظهرت هذه القوى الصورية لنتصدر المشهد السياسي بالبلاد أثناء الثورة وفي فترة الإعتصام كما واستمرت وشكلت حكومة حمدوك وفرطت فيها، ثم ما بعد حمدوك وبعد ان هدأت الأوضاع والأمور عادت وحملت معها في حقيبتها الإتفاق الإطاري وذهبت به للمنقلبين عليها ، وتنازع الشريكان وفي حذر شديد مالت لحميدتي وإن لم تعلن ذلك صراحة تفاديا للتبعات، كما وفي الجانب الأخر ظل البرهان مع حلفائه من عناصر النظام البائد ، ومن مثالب غياب قيادات التنظيمات الجماهيرية التي كانت لها وجود سياسي منذ الإستقلال مثل الحزب الشيوعي وقياداتي حزبي الأمة والإتحادي من غير المنضوية في الإتفاق الإطاري وقيادات القوى الحية النقابية والمهنية الفعلية وجدت قوى الإطاري الساحة العامة كما ظلت خالية فانتهزت السانحة واتجهت لتكرار أخطاء الوثيقة الدستورية المعيبة ،ولكن تسارع الأحداث سد عليها الطريق، وعجل بالحرب المؤجلة بعد ان صار الدعم السريع حاضنا لقوى الإطاري، وصارت بعض قيادات الإطاري بيتا إستشاريا للدعم السريع وبرز المؤتمر الوطني علنا مع البرهان .
من سجل البرهان :
البرهان قبل عهد النظام البائد عمل ضابطا برتبة الملازم أول بمدينة زالنجي وفي ظل النظام البائد مديرا لمكتب ممثل البشير بولاية غرب دارفور الفريق الدابي وقائدا عسكريا بزالنجي ثم معتمدا وبحكم منصبه رئيسا للمؤتمر الوطني بالمحلية، وخاض الحروبات ضد الحركات المسلحة في جبل مرة في أيامها الأوائل كما وتعرض للأسر بواسطة حركة عبد الواحد ولكن مؤسس حركة تحرير السودان عبد الواحد النور وجه اعوانه بإطلاق سراحه لما نشات بينهما من صلات إنسانية وعلاقات إجتماعية ،للبرهان سجله المعروف في محاربة الحركات المسلحة بدارفور بمثلما لنائبه حميدتي من سجل وقد تدرج البرهان في الجيش حتى صار المفتش العام للقوات المسلحة في عهد البشير، ولا يزال هنالك اللغز الذي لم يُفك طلاسمه، فبعدما رفض الثوار بميدان الإعتصام تولي الفريق أول عوض أبوعوف ليتولى رئاسة المجلس العسكري بعد ان أصدر قرار عزل البشير ولم يدعم ابوعوف نائبه في المجلس العسكري الذي كان فترته يوما واحدا فقط وهو الفريق عبد المعروف ليكون بديلا له ، ظهر إسم البرهان فجاءة، ولم تهتم اي جهة من قوى الثورة حتى الآن بالتنقيب عماهية الأصوات الخافتة التي برزت وقتذاك وتعالت إلى هتافات داوية، البرهان البرهان وعمن هو البرهان وتاريخه العسكري في ظل النظام البائد، لقد ظهر البرهان مع إبراهيم الشيخ القيادي بقوى الحرية والتغيير وهو ممسكا به ولأول مرة في ميدان الإعتصام أمام القيادة العامة ووسط حشود المعتصمين ، وهتف المعتصمون البرهان البرهان فسرى إسم البرهان بميدان الإعتصام سريان النار في الهشيم، ثم تم إعلانه رئيسا للمجلس العسكري وخرجت جموع الثوار هادرة البرهان البرهان .
من الغاز البرهان وحميدتي :
حميدتي يحمل بين طياته أسرار وخفايا يخفي تحتها طموحاته بدهاء شديد كما في ممارساته عدم الوفاء وتجده دائما ما يكرر بإنه تاجر ابل لا علاقة له بالسلطة ولم يسع إليها ولم يطلبها ،وهو كذلك تخلى عن صاحب الأفضال عليه وهو المخلوع البشير والذي تجاوز من أجله قواعد قانون قوات الشعب المسلحة وعينه في منصب الفريق بالجيش ثم كون له فرقة خاصة بقانون خاص الدعم السريع ، صحيح كان ذلك مقابل خدمات معتبرة قدمها له حميدتي ولكن الباحث مع ذلك يجد ان البشير وضع لحميدتي مكانة خاصة وكان يكنيه بحمايتي وما كان يرفض له طلبا وقد جعله من خواص بطانته ، ولم يُقدم حميدتي على التخلي عن البشير كما يزعم من أجل الشعب أو الديمقراطية ولكن من أجل الإستحواز بنفسه على السلطة، وبمثلما تخلى البشير وزملاؤه عن الترابي وكان على عثمان ونافع على نافع يتنافسان لوراثة البشير وجد حميدتي في نفسه انه الأولى بذلك وهو الذي قاتل بضراوة دفاعا عن النظام في عدة مناطق ، وقد كان من الدهاء الشديد ، سارع حميدتي برفض عضوية المجلس العسكري الذي أعلنه الفريق عوض أبو عوف عقب نجاح الثورة بزعم انه لا يرغب في المشاركة في الحكم وسيعود إلى البادية في دارفور وإلى التجارة مع ان الفريق أبو عوف هو نفسه من كان مهندس تجسير العلاقة بين البشير وحميدتي وفي تأسيس قوات الدعم السريع ولكن وبدهاء تمسك حميدتي برفض قبول عضوية مجلس ابوعوف العسكري بحجة عدم الرغبة في العمل بالسياسة مما ساعد في إنهيار مجلس أبو عوف، وظل يزعم بعدم الرغبة في المشاركة في الحكم وهو من اشرف بنفسه على عملية اعتقال البشير كما ونفذ الإعتقال شقيقه عبد الرحيم قائد ثاني الدعم السريع ،ثم تراجع حميدتي عن موقفه المعلن ووافق بقبول عضوية المجلس العسكري بقيادة البرهان بعد ان ضمن إبعاد العديد من الأسماء المقترحة وتوليه المنصب الثاني في المجلس ولم يعد للبادية وتجارة الأبل كما ظل يزعم ويردد ، العالمون بالخفايا يقولون بان كل ذلك كان عبارة عن مسىرحية من إعداد وتمثيل البرهان و حميدتي وقد تم التخلص من صلاح قوش الذي أدار عملية إزاحة البشير وكان أول من بلع الطعم .
سيناريو البرهان :
قوى الإتفاق الإطاري ليست مدركة تؤدي لحميدتي دور الكمبارس وهو يلتف على مطالب الثورة ، لقد تقوى بها حميدتي ليعبر بها مرحلة الحكومة المدنية الشكلية وهو يعلم تماما بان قواته هي الأكثر جاهزية وعدة وعتادا ، وان فترة الحكومة المؤقتة لقيام الإنتخابات (سنتان) لن تمكن الأحزاب من الإستعداد للعملية الإنتخابية كما ولا توجد برامج لهذه الأحزاب ، وفي ظل التشظي والقبلية وقد استمال الإدارات الأهلية بكل انحاء السودان حتى في شمالها ووزع أكثر من الف وخمسمائة سيارة لقيادات الإدارات الأهلية والرموز والأعيان كما وهو ويملك الأموال الضخمة واحتياطي الذهب بخلاف الدعم الخارجي الذي سيأتيه للإنتخابات من شركائه في الخارج فإن الطريق إلى السلطة ممهدة ليجلس على رئاستها وقد صار عرمان وسلك وبابكر فيصل وطه والواثق هم الأقرب إليه حتى من مرجيعاتهم وكياناتهم التنظيمية.

  • عقب تكوين المجلس العسكري برئاسة البرهان وقد عرف الجميع انه هو نفسه الضابط بوسط دارفور الذي خاض الحروبات ضد الحركات المسلحة وكان رئيسا لحزب المؤتمر الوطني ومعتمدا لأهم محلياتها ،ظل السؤال لماذا كان البرهان وليس عبد المعروف مثلا ، لقد سألت مثل غيرى هذا السؤال ، ولم اجد اي إجابة أو تفسير حول لماذا البرهان بالذات وقد كان هو نفسه من أعوان حزب المؤتمر الوطني إن لم يكن من انصار ذلك الحزب أو من منسوبيه الفاعلين .
    رد إبراهيم الشيخ :
    كنت ببحث في ظروف وملابسات الثورة ونجاحها ومن المعلومات التي توصلت إليها وسانشرها لاحقا ، ان 50% من ادوات النجاح كان مشاركا بها صلاح قوش لطموحاته الشخصية في عزل البشير وفي صناعة مشهد سياسي مغاير يكون هو من اساسيه ومرجعيته بمعزل عن حزبه المؤتمر الوطني، وكان قوش يلتقي بقيادات الأحزاب لتطمينها وكسب ودها كما كانت مجموعات قوش داخل جهاز الأمن وقبيل الثورة على البشير تحرص على تذكير الثوار من الشباب المعتقلين والطلاب المفرج عنهم من معتقلات جهاز الأمن بأنهم ما قصدوا منعهم أو إجبارهم على تغيير قناعاتهم أومواقفهم السياسية من الوضع القائم وان ما قدموه في الإعتقال ضريبة من أجل بلادهم، لقد تكرر ذلك الحديث مع العديد من المفرج عنهم وكان ذلك يتم بواسطة ضباط كبار بالأمن من معاوني قوش وكان المفرج عنهم من الثوار يتساءلون إذا كان الأمر كذلك لماذا تم إعتقالنا ، كما وكان الحديث الخافت يصدر من أولئك الضباط في خلسة من زملائهم ومرؤسيهم، وذهب قوش للإمام الصادق وحاول تأطير تآمره على قياداته وحزبه المؤتمر الوطني تحت غطاء مبادرة كان يزعم طرحها للقوى السياسية للوصول إلى مقاربات وطنية بمثل ما ورد في بيان المؤتمر الوطني الأخير .
  • بعد فترة من تولي البرهان لرئاسة المجلس العسكري طلبت من مولانا الدومة الذهاب لمنزل ابراهيم الشيخ القيادي بالحرية والتغيير ببحري لمقابلته والوقوف على بعض الخفايا وبالفعل ذهبنا إليه وكانت معنا الأستاذ عازة محمد أحمد ،وضمن أمور اخرى كان سؤالي له عن مدى معرفته بالبرهان وملابسات ظهوره ممسكا بيده في ميدان الإعتصام وكان رده بإنه لم يسبق له التعرف على البرهان قبل ذلك وانه كان بميدان الإعتصام ومن داخل القيادة طُلب من الثوار مقابلة قيادات الجيش لإعلان الموافقة على مطالبهم وان الثوار طلبوا منه الذهاب إليهم وذهب بالفعل ثم خرجا معا مع البرهان وكان ذلك من دون سابق معرفة به ، ولكن يبقى السؤال هل هكذا وببساطة متناهية تقدم قيادات قوى الحرية والتغيير دعمها في مثل هكذا حالة إبراهيم الشيخ مع البرهان وفي تلك الظروف ومن دون أن تتحسب للنتائج !!!

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x