مقالات الرأي

العنصرية مرض قاتل Racism is a deadly Disease

بقلم_ محي الدين توبا

علي الرغم من أن جذور الصراع في السودان تعود إلى عدة عوامل تاريخية واجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية متداخلة، إلا أن العنصرية الثقافية تشكل محددا لمكانة الجماعة على حساب الجماعات الأخرى. وانتهجت الحكومات نهج الخطاب العنصري منذ اول خطاب للزعيم الازهري ، وخاصة النظام السابق، و أجهزتها ، لقد مارس العنصرية في أبهى صورها. الرئيس المخلوع يصف في خطاب جماهيري شعب جنوب السودان بالحشرة الشعبية وخطابه للغرباوية.
وكما شاهدتم المقطع الذي قدم فيه أحد محامي الدفاع للرئيس المخلوع في إحدى جلسات المحكمة إهانة بغيضة وكلمات عنصرية للصحفي المعروف لقمان أحمد، مراسل بي بي سي ومدير الإذاعة والتلفزيون السابق.
العنصرية منتشرة في السودان بشكل ملفت للنظر ، وحتى خطابات قوات الدعم السريع والجيش في المقاطع المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد بشكل واضح حجم الغبن والكراهية التي يحملها الطرفان، خاصة المقاطع التي أثارت جدلا واسعا: مقطع الاغتصاب الجماعي، وتصريحاتهم خلال تلك الوحشية، والمقطع الذي تم نشره، في الجنينة عن الوحشية التي قُتل بها والي غرب دارفور وكيف اذابو جثته فقد قامو بدهس الجثة بسيارة رباعية الدفع ورجمه بالحجارة ، حتي الجثة لم يسلم من الشتائم العنصرية والوحشية !!!! عنصرية وصلت إلى حد الجنون.
كيف يتم بناء مجتمع متماسك ومتسامح والذين يدعون إلى الديمقراطية وسيادة القانون هم من يروجون للعنصرية ويزرعون الفتنة، كما تتابعون التسجيلات الصوتية المسربة من بعض قروبات الدعم السريع وبعض قروبات جهاز الأمن واللايفاتية المعروفين في الجيش السوداني، وهذا ما كان يردده الثوار في اعتصام القيادة: “يا عنصري و مغرور كل البلد دارفور”.
لقد ظهر في الفترة الأخيرة وحتى لحظة كتابة هذا المقال بعض أبناء دارفور خارج البلاد وداخلها من يشعلون نار الفتنة بين كيانات دارفور .والغريب في الامر جميعهم من المثقفين، وهذه العنصرية تعتبر مرضاً نفسياً قاتلاً.
ستجد المريض المصاب بمرض العنصرية يشبه من يعاني بجنون العظمة، وجنون العظمة واحد من الأمراض النفسية التي يري فيها المريض نفسه زعيما ويتغمص شخصية العظماء والرؤساء .
عندما يلتقي بالأشخاص الذي يمارس ضددهم عنصريته، يتوهم المريض بالعنصرية ، أنه ينتمي إلى المجموعة الأفضل أو الأصل في الجينات، حتى لو كان مجرمًا وقوادًا وجاهلًا. فهو أفضل من أي واحد من المجموعة الأخرى، حتى لو كان الأخر عالما وواعيا.
وعندما يرى أحد أفراد مجموعته على علاقة جيدة بالمجموعة الأخرى، فإنه يعتبر ذلك حادثة شخصية نادرة لا تنطبق على بقية المجموعة وأنه ربما فقد ثوابه.
معظم العنصريين مجردين من القيم والمشاعر الإنسانية. فعندما يقع حادث طريق مثلا، أو وفاة شخص، أو كارثة حلت ببلد ما، فإن أول ما يريد العنصري معرفته هو هوية الضحايا، سواء كانوا من جماعته أو من المجموعة الاخري .
لذلك، في الماضي، عندما تم قصف المدنيين العزل في جبال النوبة ودارفور من قبل طائرات النظام السابق، مما أسفر عن مقتل آلاف الأطفال والعجزة والمسنين، مرت تلك الحوادث مرور الكرام في الخرطوم وبعض مناطق السودان ، ولكن عندما وقع حادثة مماثلة في فلسطين، كما يحدث في هذه الأيام، تردد صداه في الخرطوم، وقفات حداد، وشعور بالحزن. والندم وحشد المساعدات لهم في الوقت الذي هو نفسه في حاجة ماسة للمساعدة.
جميعنا بشر ، ويجب علينا أن نستنكر وندين أي نوع من الانتهاكات ضد الإنسانية، سواء كانت فلسطينية أو إسرائيلية، أو أي مكان توجد فيه الانتهاكات، ولكن إذا كانت الانتهاكات في بلدك، فيجب عليك اولا الإدانة … بما يجري في بلدك ، ثم الدول المجاورة، وهكذا.
ولذلك فإن هذا التناقض يجعلك إنساناً مضطرباً نفسياً . ويقول علماء النفس إن الانحياز والانتماء إلى الكيان التي ينتمي إليها الفرد أمر طبيعي، ولكن أن يكره الآخرين ويؤذيهم من أجل تعزيز انتمائه داخل جماعته، يصبح هذا حالة مرضية. العنصرية لا تولد في اللحظة التي تنتهك فيها حقوق الآخرين، ولكنها نتيجة تراكمات طويلة في التعليم المنزلي، وداخل الأحياء، وفي مناهج التدريس، وقنوات الإعلام الرسمية، وفي الأعمال الفنية والدرامية التي تقلل من قيمة الإنسان. الآخر وجعله لصاً وقاتلاً ومعتدياً ومغتصباً، كما رأينا منذ زمن 9 طويله وكيف تم الترويج له في وسائل الإعلام.
ولذلك يصعب أن يكون هناك قبول آخر في السودان إلا إذا حاربنا العنصرية. وفي النهاية، العنصرية ليست مرض وراثي أو عضوي تولد مع الإنسان، بل هي قرار يتخذه المحيط والمجتمع وقيادته.
ويمكن معالجتها من خلال التعليم والتوجيه الرسمي من الدولة، ووضع منهج دراسي مخصص لقبول الآخر والتسامح، ووضع قانون صارم يحاسب كل من يمارس العنصرية بأي شكل من الأشكال ضد الآخرين المختلفين. كما يجب على الطبيب النفسي أن يساعد المريض على فهم أسباب عنصريته، كما يحدث في أي علاج نفسي. وأكد بعض الأطباء النفسيين أن العلاج قد يحسن حالة هؤلاء العنصريين.
و أضافت الجمعية الأمريكية للطب النفسي أن مشكلة العنصرية الأساسية متأصلة في الثقافة والمعتقدات، وأن علاجها يتطلب معالجة كافة العوامل الثقافية الأخرى التي تؤدي إليها وتعديل السلوك الناتج عن تلك المعتقدات الخاطئة.

رسالة لمن يشعلون نار الفتنة في شوشال ميديا: عندما تسمع سلوك عنصرية، لا تتعامل معها وكأنها مجرد قصة هامدة لتجني اعجابات وتعليقات بل ساهم في معالجتها والحكاية الأكثر حزنًا الذي يهمس ويقول، لا، يمكن أن اتنازل قد تكون مأزقًا حقيقيًا كيف لك ان لا تتنازل وانت تمارس جنونك باسم مجتمع دون تفويض من المجتمع.
من فضلك لا تصب الزيت علي النار . كفاية المأزق الذي يعيشه السودانين وخصوصا الاهل في دارفور ساهم في نشر الوعي ولو جرعة.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x