مقالات الرأي

لتفادي تكرار الأخطاء الممارسة بمظلة المجتمع المدني السوداني: الإبتعاد ثم الإبتعاد عن مشروعات تقارير التمويل أو الإرتباط ببرامج التنظيمات السياسية والحزبية


بقلم: الصادق علي حسن

في ظل عهد البشير ولضعف الأحزاب السياسية رأت الولايات المتحدة الأمريكية في السودان أهمية دور المجتمع المدني السوداني المفقود في مخاطبة قضايا الديمقراطية والحقوق والحريات العامة بالبلاد، والمؤسف حقا ان أنشطة واعمال المجتمع المدني السوداني المرتبطة بقضايا الحقوق والحريات العامة صارت بايادي نخب كما وقد صار العمل المدني الطوعي الإنساني كسائر مهن الإستثمار ووسائل الحصول على الأموال والمناصب العليا في الدولة ، وقد حادت غالبية مكونات المجتمع المدني السوداني عن مسار العمل المدني الصحيح، كما وصارت انشطة وأعمال منظمات المجتمع المدني عبارة عن تقارير منمقة وفرص لثراء الأسر والأفراد الذين يجيدون التعامل مع وبلغة الغرب، وساهمت نخب المجتمع المدني السوداني بهكذا اوضاع في تكريس أزمات البلاد الحالية بقدر معتبر .
لتفادي الأخطاء ، بالضرورة على من قاموا بمبادرات التأسيس لمنصات مدنية ان يتجنبوا الأخطاء الفادحة السابقة ، وبفك إرتباط النشاط المدني بالتنظيمات السياسية والحزبية وإدراك أهمية دور المجتمع المدني السوداني في بناء المجتمع المدني الديمقراطي وإن أي منابر لقوى مدنية تنشأ أو تنشط لتلبية احتياجات اي سلطة قائمة أو محتملة أو لدعمها تكون قد فقدت ابتداءا مقومات المجتمع المدني السليم وصارت إضافة لأزمات البلاد بدلا من وسائل الحلول.
قبل اكثر من عشرة سنوات ولنشاط هيئة محامي دارفور في قضايا الحقوق والحريات العامة بالبلاد وفي طرح قضايا مشكلات دارفور كانت المنظمات الدولية والبعثة الدبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية بالخرطوم وحتى خارجيتها تهتم بالحراك المدني للهيئة وقد ساندت الولايات المتحدة الأمريكية المطالب المشروعة والعدالة المرفوعة لدارفور ،كما والتقى الرئيس الأمريكي جورج بوش بصورة رسمية بمناوي (قائد حركة متمردة) وذلك لأول مرة في تاريخ بلاده يلتقى رئيس أمريكي بمكتبه بواشنطن بقائد حركة متمردة بالصفة الرسمية وكان ذلك قبل ان يتولى (مناوي) المنصب الدستوري، وحينما لم يحقق إنضمام مناوي للسلطة اي نتيجة معتبرة في إيقاف الحرب بدارفور اومعالجة الأوضاع الإنسانية سعت الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز جهودها في تحقيق تسوية لمشكلات وقضايا دارفور بمساعي لضم حركة عبد الواحد النور وعبر مبعوثها للسودان و في حضور القائم بأعمالها طلب من هيئة محامي دارفور ان تقوم بالتواصل مع حركة جيش تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد محمد النور، ولكن الهيئة اعتذرت لسببين وهما اولا ان الهيئة مؤسسة تمارس الرقابة على الكافة وتدعم قضايا الحقوق والحريات بصورة مجردة كما وهي ليست من اطراف العملية السياسية أو الحركات المسلحة ، ثانيا الحركات المسلحة رفعت شعارات تطالب بتحقيقها والصحيح مخاطبة هذه الشعارات من خلال اطرافها بصورة مباشرة أو غير مباشرة والهيئة ليست لها سوى صفة المؤسسة المدنية غير المنحازة والتي تجعلها تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف وبصفتها الرقابية، ثم بعد اكثر من عام على ما اذكر وفي إطار مساعي مبعوث أمريكي جديد للسودان طلب المبعوث الأمريكي المشار إليه إجتماعا بكاتب هذا المقال ومولانا محمد عبد الله الدومة والحاق ثلاثة اشخاص آخرين بالإجتماع المذكور ، لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد بان هيئة محامي دارفور لديها صلات وطيدة بحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد كما والآخرين الثلاثة ، ولكن الهيئة كررت اعتذارها بانها لا صلة لها بحركة جيش تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد محمد النور ولا الحركات الأخرى كما وانها تقر بعدالة مطالب الحركات، ولكن لن تصلح للقيام بأي دور لتحقيق اي شكل من أشكال التواصل المنتج مع الأستاذ عبد الواحد النور أو غيره من قيادات الحركات المسلحة ، كما ورفضت الهيئة من حيث المبدأ قبول السفر إلى باريس وعواصم اخرى حول العالم لمجرد المحاولة وتلمس مواقف عبد الواحد النور أو غيره، وقد كانت رؤية الهيئة واضحة بان هذه القضايا إذا تولتها فقدت مصداقيتها مع نفسها والتزامها بمبادئها المعلنة، كما ان هذه ليست من وسائلها لتعزيز دور المجتمع المدني السوداني، وهي ترى بان الجهود الصحيحة ان يضطلع المجتمع المدني السوداني بدوره بنفسه واي جهود أخرى تاتي لتعزز دور المجتمع السوداني كما الدور المناط به تحقيق الإنتقال الديمقراطي بالسودان ينتجه المجتمع المدني السوداني ويحدد مساره ووسائله ، لقد استشهدت بهذه الواقعة واكتفيت بها وقد ساهم الغرب عقب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة بالرهان على نخب من المجتمع المدني السوداني، وتدفقت النخب على ابواب البعثات الدبلوماسية وقد صار بعض هؤلاء يمارسون كل المهام والأنشطة كما وقد أوهموا الغرب بانهم يمثلون المجتمع المدني ويعبرون عنه في كل القضايا المطروحة وفي مقدورهم تجميع المجتمع المدني وتوظيفه كيفما شاءوا ، إذا سمعوا بان هنالك مشروعات تمويل للعدالة الإنتقالية كتبوا عن العدالة الإنتقالية مشروعات منمقة وتقارير وأفية عن تجارب مثل تجربة رواندا التي تخاطب اشواق الغرب ولا يدرك هؤلاء بان تجربة رواندا التي حولت رواندا إلى نهضة تنموية وإقتصادية عجزت عن تحقيق الممارسة الديمقراطية السليمة ولا زالت التجربة مرتبطة ببول كيقامي واي ممارسة تصويت إنتخابي سليم ستظهر الصراع القبلي المكتوم ما بين الهوتو والتوتسي على السلطة.
لتحقيق نتائج معتبرة تمهد للخروج من أزمات البلاد التي استفحلت بفعل الحرب العبثية الدائرة ، بالضرورة على منابر السودانيين التي انطلقت بلندن وواشنطن وباريس والقاهرة وغيرها ان تتجنب الممارسات السالبة التي تؤدي إلى إنتاج أو تقنين الأخطاء باستخدام رمزية المجتمع المدني وعدم الزج بصراعات التنظيمات السياسية في منابرها، كما والمأمول ان يمارس المجتمع المدني السوداني دوره الحقيقي، لا ان يتحول لرافع سياسي ، فالمجتمع المدني الحقيقي هو ذلك الذي يمارس دوره اصاله عن نفسه وليس لإستقطاب دعم منظمات الغرب أو لتحقيق اجندات الأحزاب السياسية.
الآن الإختبار يأتي بمبادرات من السودانيين بالخارج لتعزيز جهود العمل المدني الداخلي وتقويتها ، وإذا لم تحقق هذه الجهود اهدافها المنشودة تستفاد من دروسها المستخلصة في تلافي تكرار الأخطاء ، ويظل الدور الحاسم والمفقود للمجتمع المدني السوداني الداخلي وجهوده الحقيقية تتبلور تلقائيا كتجربة لجان طوارئ مستشفى النو ومؤمن ود زينب وزملاؤه وجابس وآخرون ومنابر العمل المدني الداخلي في كل ولايات البلاد ، في هذه الجهود الصادقة المدخل الحقيقي لفرض وقف الحرب على طرفيها المتحاربين ، والتأسيس الصحيح لآلية إنتقال مدني سليم ، كما ويتحقق ذلك بالصبر والمثابرة فقط ، مهما طال الزمن أو قصر، وفي ذلك المخرج الوحيد للأجيال المتعاقبة .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x