مقالات الرأي

علم الإجتماع العام من النشأة إلى التفكير(3)

بقلم: عمار إسماعيل (فلسفة)

أهم الرواد الأوائل لعلم الإجتماع:

[1]- إبن خلدون:

(1332-1406) مؤرخ و فيلسوف ورجل دولة وسياسي عربي، درس المنطق ، الفلسفة ، الفقه والتاريخ، وعين والياً (وزيراً) ثم “سفيراً “.
رحل إلى مصر في المرحلة الثالثة ودرس في الأزهر ، وتولى قضاء المالكية فيه حتى توفي.
قام إبن خلدون بدراسة تحليلية لتاريخ العرب والدول الإسلامية ، وعرض محتويات الأحداث التاريخية على معيار العقل حتى تسلم من الكذب والتزييف، فكان بذلك مجدداً في علم التاريخ.

عمل إبن خلدون دراسة تحليلية بخصوص المجتمع والعصبية والدولة ، ويقول في
مقدمة الباب الثالث:
((أعلم أن العمر للأشخاص على ما زعم الأطباء والمنجمون أربعون سنة ، والدولة في الغالب تعدو إعمار ثلاثة أجيال، والجيل هو عمر شخص واحد من العمر المتوسط، فيكون أربعين هو إنتهاء النمو والنشوء إلى غايته)).

يقول إبن خلدون أن عمر الدولة لا يعدو في الغالب ثلاثة أجيال:
١/ لأن الجيل الأول لم يزل على خلق البدواة وخشونتها ووحشيتها من شظف العيش والبسلة و الإفتراس والإشتراك في المجد، فلا تزال بذلك صورة العصبية محفوظة فيهم.

٢/ الجيل الثاني: تحول جلهم من البداوة إلى الحضارة، ومن الإشتراك في المجد إلى الإنفراد الواحد به وخمول الباقين عن السعي فيه ومن عز الاستطالة إلى ذل الإستكانة، فتنكسر صورة العصبية بعض الشيء وتظهر منه المهانة والخضوع.

٣/ الجيل الثالث: فينسون عهد البداوة وكأنها لم تكن، ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما فيهم من ملكة القهر، ويبلغ فيهم الترف غايته بما تقننوه من النعيم و نضارة العيش، وتسقط العصبية بالجملة ، وينسون الحماية والمدافعة والمطالبة، فيحتاج صاحب الدولة حينئذ إلى الإستظهار بسواهم من أهل الخبرة، ويستكثر بالموالي ويصطنع من يغني عن الدولة بعض الغناء، حتى يأذن الله بإنقراضها، فتذهب الدولة بما حملت.

يفترض إبن خلدون أن الإجتماع الإنساني ظاهرة طبيعية منتظمة لها أسسها وقوانينها، كما يقول: بتغير هذه المجتمعات من حالة البداوة للحضر ، وبهذا تصنف المجتمعات الإنسانية على أساس التباين في العيش، فالبدواة ترتبط بالإعتماد الكلي على الحيوان كمصدر أساسي للعيش، وبهذا النمط في العيش بناءاً على المجتمع القبلي المتنقل ، وقيام قيم ومعايير سلوكية أساسها الصلات القرابية ، وما تفرزه من عصبية ترابطية، ومن ثم تؤدي الحاجات إلى ضبط العلاقات داخل الجماعة، مما يؤدي إلى ظهور نوع من السلطة ، تقوم شرعيتها على تقاليد وأعراف الجماعة ، وقد تمثلت هذه السلطة في مجالس الكبار وظهور الرئاسة ممثلة في شيخ القبيلة ، ولا تكون السلطة هنا إلا في إطار العصبية القرابية.

مع التطور دخلت الزراعة ، و بدأت أوجه الإستقرار، وإمكانية الفائض في الإنتاج مما يفسح المجال لتقسيم العمل والتخصص وتنجلي هذه التغيرات بوضوح بدخول الصنائع والتجارة، الأمر الذي يترتب عليه تحول المجتمع إلى مجتمع حضري ويترتب هذا بظهور الدولة.

[2]‌- أوجست كونت:

ولد ( كونت ) بمدينة ( مونبلية) الفرنسية لوالدين كاثوليكيين، إلتحق بمدرسة الفنون التطبيقية بباريس عام 1813 م، وفي عام 1816 م تزعم حركة عصيان قام بها الطلاب، فصل عقبها من المدرسة، واصل دراسته إلى أن عين معيدآ في مدرسة الهندسة، ثم عمل سكرتيراً للكاتب الإشتراكي المعروف ( سان سيمون ).

وفي عام 1825م تزوج كارلين ماسان … بدأ في عام 1826م إلقاء سلسلة من المحاضرات العامة في الفلسفة الوضعية، ثم أصيب بمرض عقلي جعله ينقطع عن مواصلة محاضراته، وأقضى به الى محاولة الإنتحار غرقاً في نهر السين ، ثم عاد ما بين 1830، 1843م إلى إلقاء محاضراته التي كان قد إنقطع عنها، وفيها قدم تصوراته للمعرفة والعلوم وحاول من خلالها وضع أسس علمه الجديد الذي أطلق عليه في بادئ الأمر (الفيزياء الإجتماعية) ثم عاد تجنباً لتكرار هذا الإسم الذي سبقه إليه ( كتيلييه) فوسم العلم الجديد باسم (علم الإجتماع)،
ويعد (كونت) إبن عصر التنوير، جرى على تقاليد وتراث فلاسفة التقدم في أواخر القرن الثامن عشر، من أمثال: تيرجوو كوندرسيه، ولقد فزع كونت من الإضطرابات التي عانى منها النظام الإجتماعي، ومن ثم جد في طلب النظام و التضامن .
و يهمنا هنا التنويه بأنه كان ليبرالياً و تأثر بآدم سميث وكانطو .
أما عن النسق المجتمعي العام، الذي عاش خلاله ( كونت) وتحرك فيه، و جمع منه ملاحظاته، و كون توجهاته فبالإمكان القول بأنه ولد في أوقات الثورة الفرنسية، وقبل التمهيد لدكتاتورية حكم الفرد، وأدرك سنوات الصبا و الشباب في فترة نمت فيها الإمبراطورية الفرنسية 1804-1815م ، وعاصر الأزمات التي واجهت هذه الإمبراطورية والتي انتهت بغزو فرنسا 1812-1814م، وبين هذه السنوات عايش أيضاً ما وصفه المؤرخون بالإرهاب الأبيض، بعد عودة الملك إلى باريس سنة 1815م، حيث قتل كثيرين من رجال الثورة القدامى ومن أنصار ( بونابرت) ولم تتردد وقتها حكومة الملك العائد في الإنتقام من رجال العهد الماضي، خاصة أولئك الذين حنثوا في يمين الولاء للملك لويس الثامن عشر والذين إنضموا إلى نابليون، وفي وسط أمواج الإرهاب العاتية تم في أغسطس1815م إنتخاب المجلس الوطني الأول، الذي سمحت له الظروف بدخول عدد كبير من مؤيدي الملكية العائدة إليه، وهم الذين عرفوا بإسم الملكيين المتطرفين، وبلغوا في حماستهم للملكية حداً جعل يطلق على مجلسهم إسم (المجلس المنقطع النظير) .
وما بين 1816-1818م كانت الساحة السياسية تجمع ثلاثة أحزاب أساسية:
١- حزب اليمين ويضم الملكيين المتطرفين والذين رفعوا شعار (الحرب ضد الثورة).

٢- حزب الوسط من الملكيين المعتدلين الذين حاولوا التوفيق بين الملكية و الثورة.

٣- حزب اليسار من الأحرار وكان أكثر هذه الأحزاب سطوة حزب اليمين الذي كان برنامج عمله يتوجه بقوة نحو إحياء النظام القديم، مع بعض التعديلات التي تتواءم مع مصالح النبلاء والأشراف. وكان من بين أساليب الحزب في تدعيم هذا التوجه وإعادة الكنسية الكاثوليكية إلى سابق سطوتها ، وعقد حلف وثيق بينها و بين الدولة ، أتاح للكنيسة أن تستعيد أملاكها السابقة وإشرافها على التعليم .
ومع كل هذا وإضافة إليه قدر ( لكونت) أن يعايش ثورتي 1848-1830م وهما من الثورات الهامة في تاريخ فرنسا الحديث، بغض النظر عن جوانب الإخفاق أو النجاح فيهما.

[3]- إيميل دوركايم:

موضوع علم الإجتماع عند دور كايم هو الوقائع الإجتماعية، الممثلة في رايه بالنظم الإجتماعية وليس الأفراد أو ما يرتبط بهم من حوافز ودوافع ، إن منهج دور كايم مستند على الناحية الوظيفية التي تحافظ على النظام الإجتماعي وإستقراره، هذا بالإضافة إلى إستخدام البحث الإجتماعي الإحصائي في دراسته المتعمقة عن الإنتحار في مختلف فئات الشعوب، مؤكداً ” أن الإنتحار ظاهرة فردية ترجع إلى الفروق الفردية للأفراد والتي تنجم عن القوى والخصائص الإجتماعية التي تؤثر على وعي السلوك و تصرفات وقيم مواقف الأفراد، لذلك فان ظاهرة الإنتحار بالرغم من أنها فردية إلا أنها مسألة اجتماعية تفسرها التصورات الجمعية ، إن عوامل التغير الإجتماعي : كان دور كايم يعزو التطور الإجتماعي إلى ثلاثة عوامل:
كثافة السكان ، تطور وسائل المواصلات ، والوعي الإجتماعي، ويتميز كل مجتمع بالتضامن الإجتماعي، وقد كان التضامن في المجتمع البدائي تضامناً ((آلياً))” إذ كان يقوم التضامن على روابط الدم، ويتميز هذا النوع بأنه بسيط غير معقد التركيب، وغير مميز الوظائف، وكما أن الدين هو أقوى مظاهر الحياة الجمعية في هذا الشكل من المجتمعات ويغلب على هذه المجتمعات سيادة العرف و التقاليد والخضوع لسلطات العادات الإجتماعية ، ويسمي دور كايم هذه المجتمعات ((بالبدانية )). و أما المجتمع الحديث فالتضامن (( عضوي))، إذ يقوم على تقسيم العمل ، أي على التعاون الطبقي لكسب ضروات الحياة ، وتتصف هذه المجتمعات بأنها معقدة التكوين حيث تتوزع فيها الوظائف والأعمال و تزيد درجات التخصص ،ويصبح الفرد أداة من أدوات النتاج وعنصراً من العناصر الإجتماعية ويغلب على هذه المجتمعات سلطة القانون.
وهو عالم إجتماع وفيلسوف وضعي فرنسي تلميذ لكونت، وكان أستاذاً في جامعة السوربون، وكان يعتقد أنه يتعين على علم الإجتماع أن يدرس المجتمع كنوع خاص من الواقع الروحي، وتختلف قوانينه عن قوانين علم النفس الفردي، وعنده إن كل مجتمع يقوم على الأفكار الجماعية المتفق عليها اتفاقاً مشتركاً، ويعتبر إيميل دور كايم مؤسس علم الإجتماع الحديث والممهد لنقل النظرية الإجتماعية الغربية من وضعية كونت إلى أعتاب الوضعية.

بذل إيميل دور كايم جهداً لتحديد علم الإجتماع ومن مؤلفاته الرئيسية: (( حول تقسيم الإجتماعي 1893)) (( قواعد المنهج في علم الإجتماع 1895)) ، (( الإشكال الأولية للحياة الدينية 1912)).

[4]‌- ماكس فيبر ( 1864-1920م):

ولد ماكس فيبر في عام 1864 في مدينة إيرفورث (ولاية تورينغن) وترعرع في عائلة محافظة ، و بعد أن أنهى دراسته، إلتحق عالم المستقبل بجامعات عديدة في برلين وهايدلرغ و درس علوم الحقوق والفلسفة والتاريخ والإقتصاد القومي، وعند بلوغه سن الثلاثين دعى فيبر للعمل كبروفيسور في كلية الإقتصاد القومي في جامعة فرايبورغ (جنوب ألمانيا) وبعد ذلك إنتقل إلى جامعة هايدليبغ، ولكنه بعد إنتقاله إلى هذه الجامعة العريقة أصيب بمرض نفسي أجبره على مزاولة عمله على مدى سبع سنوات بشكل منقطع، وكان عام 1904 بمثابة ولادة جديدة لفيبر ، فقد بدأ من جديد بنشر أعماله كان له أهمية كبيرة في مجال علوم الإجتماع والفلسفة و الاقتصاد ، وفي عام 1909م شارك فيبر في تأسيس الجمعية الألمانية لعلوم الإجتماع ، ومن ثم بدأ عام 1913م بكتابة أحد أهم أعماله وهو ” الإقتصاد والمجتمع” والذي نشر لأول مرة عام 1922م، أي بعد وفاته، و بدأت تظهر إهتمامات فيبر بالأمور السياسية الراهنة عام 1915م .
ويعتبر فيبر أحد المؤسسين للحزب الديمقراطي الألماني عام 1919م، وفي نفس العام كتب عملين مهمين هما ” العلم كمهنة ” و ” السياسة كمهنة” .
صحيح أن رائد علم الإجتماع ألف أعمالاً كثيرة، و لكن أبرز هذه الأعمال و أكثرها تأثيراً في الفكر الإجتماعي كان كتاب ” الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية” وبحسب المؤرخين فان هذا الكتاب كان قراءة لدور القيم الدينية في ظهور قيم وأخلاق العمل في المجتمعات الصناعية الجديدة التي كانت أساس ظهور النظام الرأسمالي ، و تأتي أهمية دراسات وأطروحات فيبر من إهتمامه منقطع النظير بفلسفة العلوم الإجتماعية ومناهجها، وفي هذا الخصوص إستطاع العالم تطوير المفاهيم والجوانب التي أصبحت بعد وفاته من ركائز علم الإجتماع الحديث، ومن أهم المصطلحات التي أثرى بها علم الإجتماع وتعتبر جزءًا منها ومرجعاً كبيراً للمهتمين بهذا العلم الإنساني هي ” العقلانية ” و” الكاريزما” و ” الفهم ” و” أخلاق العمل”.

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x