مقالات الرأي

لندن / وأشنطن / أديس / القاهرة: جهود سودانية لإستعادة دور المجتمع المدني السوداني


بقلم: الصادق علي حسن

بسبب غياب غالبية مكونات المجتمع المدني السوداني عن الساحة العامة بالبلاد ، وتخليها عن أهم مهامها ومسؤولياتها في الرقابة على المؤسسات العامة وعلى راسها السلطتين السيادية والتنفيذية والتنظيمات السياسية والحزبية والحركات المسلحة ، كما ولمشاركة مجموعة من التكوينات المدنية في السلطة عقب ثورة ديسمبر المجيدة ، صار ينظر لدور المجتمع المدني في الممارسة العامة بالسودان اشبه بدور ومهام التنظيمات والأحزاب السياسية ،وقد صارت تنظيمات المجتمع المدني مشغولة بالسلطة والبحث عنها ، وتناسى من شاركوا في العمل السياسي بإسم المجتمع المدني دور المجتمع المدني الأساسي في الرقابة العامة على مؤسسات الدولة وتعزيز الحقوق والحريات والدفاع عنها ، لقد كان لإستخدام رمزية المجتمع المدني في سبيل الوصول إلى السلطة عقب ثورة ديسمبر المجيدة من الأخطاء الفادحة خاصة وقد تحول نخب المجتمع المدني إلى باحثين عن السلطة كنخب الأحزاب السياسية وقد صاروا من المشاركين الأساسيين في السلطة السيادية والتنفيذية والمناصب الرفيعة بالدولة وأجهزة العدالة وإنفاذ القانون، وعقب إنقلاب البرهان وحميدتي على المكون المدني وهنالك تكوينات مدنية من ضمن مكونات المكون المدني المشارك في السلطة وهي( تجمع المجتمع المدني ومبادرة المجتمع المدني وتجمع المهنيين السودانيين) ، لم يقم المجتمع المدني المشارك في السلطة وقد ابعد عنها بتصحيح مساره بل تعددت اصواته من على المنابر كالأحزاب الراكضة خلف السلطة ، وفي واقع الحال على الأرض لا توجد أي مساهمات لأي قوى من مكونات المجتمع المدني التي كانت مشاركة في السلطة ورافعة لشعارات الثورة ومطالب الشارع (حرية /عدالة/مساواة) ، والذين تصدوا لآثار الحرب ونتائجها المدمرة هم من الشباب الذين ظهروا بإسم لجان الطوارئ ، وبذل هؤلاء الشباب جهودا جبارة لتخفيف آثار الحرب وهم الآن يتصدرون المشهد المدني بتضحياتهم وتفانيهم من دون ان تبرز لهم اي اهداف ذاتية أو حتى مجرد الرغبة في الإعلان عما يقومون به من أعمال جليلة، ومن نماذجهم المشرقة لجنة طوارئ مستشفى النو ومن شبابها مؤمن ود زينب .
إن النشاط المدني الفاعل يظهر في ظل الظروف والأوضاع الإستثنائية، وخلال هذه الحرب العبثية الدائرة اختفت انشطة لافتات قوى المجتمع المدني من شوارع المدن المتأثرة بالحرب وحتى النائية والبعيدة عنها ، كما اختفت هذه اللافتات التي كان يمكن ان تخاطب آثار الحرب من أماكن تواجد المتأثرين بالإنتهاكات والنازحين بمراكز الإيواء ومعسكرات اللاجئين ،ولولا جهود لجان الطوارئ وبعض المبادرات الشبابية الأخرى بالولايات لما كان هنالك اي صدى لأي صوت لمجتمع مدني معتبر . لقد اظهرت الحرب العبثية الدائرة الحاجة الماسة لدور المجتمع المدني السوداني الحقيقي ، إن المجتمع المدني السوداني يتكون من منظمات حقوق الإنسان ، والنقابات والتكوينات المهنية، ولجان الطوارئ ،ولجان المقاومة، والأجسام المطلبية ، والمجموعات الثقافية والفنية والرياضية، والكيانات الشعبية والأهلية ويمثل صمام الأمان للحفاظ على البلاد وسلامتها ووحدتها الوجدانية والجغرافية ، وما لم يبرز المجتمع المدني ويضطلع بدوره الأساسي ، لا يمكن فرض وقف الحرب على الطرفين المتحاربين وتحقيق تسوية حقيقية لمشكلات البلاد وازماتها .
لا شك ان في تعدد المنابر والملتقيات والأصوات المدنية بعثرة لجهود المجتمع المدني وضياعها بين الركام وصدى دوي بنادق الحرب اللعينة،كما والمنابر الخارجية تتغلب عليها اجندات المصالح الخارجية . إن
المدخل الصحيح قيام المجتمع المدني السوداني بدوره ويتحقق ذلك بتنشيط منصته المستقلة وممارسة الرقابة الفعلية على من يمارسون السلطة بوضع اليد وغيرهم من شركائهم كما والرقابة على كل مراحل تشكيل السلطة والإلتزام باسسها وادائها لدورها وفقا لتفويضها المعبر عن مصالح الدولة وشعبها .
في لندن الشهر الماضي نشطت منصة مدنية تشكلت من سودانيين سعت لتعزيز سماع صوت المجتمع المدني السوداني في تحقيق وقف الحرب وإنهاء الصراع المحتدم بين الجيش والدعم السريع على السلطة ذلك الصراع الذي وصل إلى مشارف الحرب الأهلية ، كما وفي الولايات المتحدة الأمريكية يباشر منبر إيواء تنظيم مؤتمره التاسع في اكتوبر الجاري بواشنطن وذلك لمخاطبة قضايا ومشكلات البلاد ودور المجتمع المدني السوداني في وقف الحرب وتدابيره وتحقيق الإنتقال الديمقراطي بتنظيم ملتقى تحت عنوان ملتقى إيواء للسلام والديمقراطية، كما وفي اديس ابابا هنالك منصة مدنية سودانية لتنظيم إجتماع تشاوري للقوى المدنية وفي القاهرة يجرى الإعداد لملتقى مدني لبحث القضايا والمشكلات الإنسانية الناجمة بفعل الحرب ، هذه المنابر والملتقيات كلها تبحث عن الوسائل الفاعلة والاعمال الضرورية لوقف الحرب وترتيبات تلافي اسباب انهيار الدولة ،لذلك بالضرورة التنسيق فيما بينها اولا والعمل المشترك لمخاطبة قضايا ومشكلات البلاد من الداخل بتفعيل دور القوى المدنية بالداخل وتعزيز جهود لجان الطوارئ وغيرها كما والبحث في وسائل تعلية المساهمات المحلية مثل منبر حكماء الفاشر ومبادرة شباب نيالا ومبادرة عون نازح بمروي وإيجاد البيئة المناسبة التي تساعد في تطوير كل الجهود المحلية وتقويتها وصولا لمنابر داخلية فاعلة تؤسس لإنشاء منبر ومنصة داخلية مشتركة واحدة تقر الحلول الصحيحة لكل قضايا ومشكلات البلاد وتكون مرجعيتها الإرادة السودانية الحرة الغالبة على كل الأطراف الداخلية والخارجية فتعبر عن مصالح البلاد وتؤسس للحلول المدنية السلمية المستدامة. وبذلك يتحقق إستعادة منبر ودور المجتمع المدني السليم والذي تحول إلى مجرد لافتات وحقائب سفر في الفنادق والتجوال بين المطارات وورش ومؤتمرات النخب التي تخرج بتوصيات مكررة .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x