مقالات الرأي

من الذي صنع حركات دارفور المسلحة؟ أم ماذا صنعت الحركات المسلحة (٢)


بقلم: الصادق علي حسن المحامي

مارست الأستاذة رشا عوض التهكم الشديد على كل الحركات المسلحة في دارفور وجردتها كلها من القيم والمبادئ واتهمتها بأنها نشأت لتمارس الحرب بالوكالة لصالح الترابي وقرنق ، وفي خلاصتها جمعت قيادات وقواعد الحركات ودمغتها جميعها بعدم الثورية بمنظور النظرية الثورية الإشتراكية التي ظهرت عقب الثورة البلشفية وأقوال لينين ” لا حركة ثورية دون نظرية ثورية ” لينين – الشرارة وفي مقالها أبرزت رشا ضعف إلمامها بالكثير من خفايا وأسباب بروز الحركات المسلحة كما وقد تغلبت عليها إنطباعاتها الشخصية من خلال تجربتها الذاتية مع قيادات الحركات وقد ذهبت بالقول ( هنالك حروب وكالة مصنوعة أحرقت الإقليم والحركات المسلحة في دارفور بعضها صنعها الترابي لتصفية حساباته مع المؤتمر الوطني بعد المفاصلة وبعضها صنعها قرنق في إطار مشروعه لإحكام الحصار على المركز من الغرب والشرق بالإضافة إلى الجنوب حتى يكون زعيما لكل المهمشين وعلى هذه الأعمدة يمكن ان يحكم السودان عبر الإنتخابات ) وفي مستهل رد القائد عبد العزيز الحلو عليها قال بانه سيتناول الرد على رشا في بندين (أ) و (ب) كالآتي :

  • من الذي صنع حركات الكفاح المسلح في دارفور أصلا ؟ .
  • هل حركات دارفور التي صنعها (جون قرنق) كما جاء في مقال رشا عوض ملتزمة برؤية الحركة الشعبية ومشروعها ام لديها توجهات أخرى .
    لم ترد في السرد الضافي للقائد الحلو اي إجابة على السؤالين اللذين حددهما في مستهل رده على رشا وقد تناول التجارب السابقة التي مرت على دارفور منذ الإستقلال من مسلحة وغير مسلحة مثل حركتي سوني واللهيب الأحمر وجبهة نهضة دارفور ودخوله هو نفسه إلى دارفور وحركة آدم بازوقا ، ولم يرد على الشق الذي يليه مباشرة وهو السؤال الذي اعطاه الحرف (أ) هل بعض حركات دارفور صنعها قرنق ؟ ثم السؤال الثاني الذي اعطاه الحرف (ب) هل حركات دارفور التي صنعها (جون قرنق) كما جاء في مقال رشا عوض ملتزمة برؤية الحركة الشعبية ومشروعها ام لديها توجهات أخرى ؟ والمُنقب في رد الحلو وسرده الضافي قد لا يجد منه إجابة وأضحة ، وهنا أرى ان الإجابة المفقودة ، بالفعل حركات دارفور لم تكن مُلتزمة بتوجهات الحركة الشعبية ولا بمشروعها بل هذا ما سمعته من القائد عبد العزيز الحلو في الملتقى الثاني لنداء السودان بباريس الذي انتج وثيقة البديل الديمقراطي ،وكنت مشاركا فيه عن المجتمع المدني ممثلا لهيئة محامي دارفور ، سألت الأستاذ ياسر عرمان والقائد الحلو الذي كان نائبا لعقار في رئاسة الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال لماذا لا تسلمون رئاسة الجبهة الثورية كما اتفقتم بحسب إنقضاء المدة المحددة لإحدى الحركات المسلحة الدارفورية المنضوية معكم في الجبهة الثورية وذلك لإذكاء ممارسة الديمقراطية في الجبهة الثورية وكان رد عرمان سأجيبك لاحقا انا أو الحلو وبالفعل في مساء اليوم التالي جلست مع الحلو لفترة طويلة للرد علي ومن اهم ردوده على تساؤلاتي كانت ان قال هنالك ثلاثة مواقف مع حركات دارفور منعتنا ،ساذكر اثنتان منها الآن اما الموقف الثالث ففي مرة أخرى وهذا ليس أوانه ، وواصل كنت قائدا لقوات الجبهة الثورية ومتحمسا جدا لضم حركات دارفور المسلحة للجبهة الثورية خاصة وان هذه الحركات أتت بطريقة جديدة تقوم في الأساس على اقتحام المواقع بجسارة ،ولا توجد هذه الطريقة في النظم العسكرية الحديثة ، وقد كانت هنالك تحفظات على حركة العدل والمساواة ولكن من موقعي ساهمت في قبول ضمها ومن النتائج :
  • لقوات الجبهة الثورية نُظمُ مرعية في توزيع حصيلة الغنائم التي تحصل عليها من حروبها مع النظام كما وهنالك تعليمات مشددة بالحفاظ على الممتلكات الخاصة وعدم المساس بها في كل الظروف وتُخضع اي قوات أو عناصر أرتكبت تجاوزات لعقوبات صارمة ولكن في معركة ابو كرشولا وقبل إنجلاء المعركة اُخذت حركة من حركات دارفور المنضمة الغنائم وخرجت ببعضها إلى خارج حدود السودان .
  • عند انقسام الحركة الشعبية بدولة جنوب السودان ما بين سلفاكير ومشار التزمت الحركة الشعبية شمال بعدم التدخل بين الرفاق والتزام جانب الحياد التام وكانت الحركة الشعبية شمال ترى بأن تسوية الخلافات بين الحركتين بجنوب السودان ستتم يوما ما ، ولم تأخذ حركة العدل والمساواة بهذا الرأي وقامت بموالاة احد الأطراف مما نجمت عنها أحداث ولاية الوحدة واستهداف ابناء دارفور .
    لم التق بالحلو عقب ذلك مرة أخرى حتى الآن ولكن هو يمتلك الإجابة عن مدى علاقة حركات دارفور بالحركة الشعبية صاحبة الإسم، والملاحظ ان الحلو مر على اهم جزئية في مقال الأستاذة عوض والتي قالت فيها بان بعض حركات دارفور من صناعة قرنق لإحكام الحصار من الغرب والشرق بالإضافة إلى الجنوب حتى يكون زعيما لكل المهمشين وعلى هذه الأعمدة يمكن ان يحكم السودان عبر الإنتخابات ، في الملخص المنقول بأن قرنق نفسه صنع بعض الحركات المسلحة في دارفور للوصول بها إلى حكم السودان كمشروع وهنا كان على القائد الحلو ان يتناول مشروع السودان الجديد وماهيته ،وهل هو مشروع تغيير إجتماعي ام تغيير لنظام حكم .
  • تصورات الأستاذ رشا عوض حول نشاة الحركات المسلحة في دارفور لم تكن صحيحة ،والواضح انها بنت تصوراتها من خلال تقييمها لقيادات الحركات المسلحة لدارفور المنضوية للسلطة بموجب إتفاق جوبا واصدرت حكما قطعيا يفتقر للأسانيد السليمة، بمثلما ذهبت رشا بمرجعية كراسة الشرارة ” لا حركة ثورية دون نظرية ثورية” وأقوال لينين التي تجاوزت حدود نطاقها المكاني الإتحادي السوفيتي سابقا والزماني ثورة ٢٥ أكتوبر ١٩١٧م التي تفجرت تحت إمرة فلاديمير لينين وقائد الجيش الأحمر ليون تروتسكي بناءً على افكار كارل مارس وإنجلز وقام بتطويرها لينين هذه الأفكار التي اعتمدت عليها رشا عوض في تجريد دارفور من الثورة من خلال ربط الثورة بالحركات ووصف الحركات بانها حركات مسلحة مصنوعة وتوصيف كل ما حدث بدارفور ومن كلفة عالية دفعت بأنها كانت مجرد معارك بالوكالة عن الترابي في حربه مع حزبه السابق المؤتمر الوطني وطموحات قرنق لحكم السودان فيه الكثير من القفز على الحقائق والتغبيش لأنها تصلح في توصيف الثورات التي نشأت على غرار الثورة البلشفية وليس غيرها ، كما ولو ان الأستاذ رشا بحثت في المصطلحات (الثورة/ المقاومة/ الإحتجاج/ الانتفاضة) لأكتشفت ان الثورة تطلق على حالات الفوران أو الغليان أو الخروج عن الطور والثورات السابقة وأعظمها أثرا الثورة الفرنسية كانت ثورة جياع وبلا شعارات ولم تعتمد على نظرية ثورية بمثل ضرورات لينين في كراسة الشرارة وانتجت الثورة النظريات والشعارات وأهمها ( أخاء / حرية / مساواة ) وليس العكس كما في الثورة البلشفية وكانت ثورة الجياع في فرنسا والتي انهت الحكم الملكي في عام ١٧٩٢ وانتهت بإعدام الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري انطوانيت في عام ١٧٩٣م قبل الثورة البلشفية بزهاء القرن وربع القرن وقد كانت أسباب الثورة في دارفور كامنة في نفوس ابنائها منذ إستيلاء الإنقاذ على السلطة في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م وعبروا عنها بطرق مختلفة وكانت الحركات المسلحة من وسائل التعبير والثورة في دارفور اقرب ما تكون لثورة ديسمبر المجيدة والتي أنتجت شعارات (حرية / سلام/ عدالة) ولكن ثورتي دارفور التي اندلعت في عام ٢٠٠٢م وثورة ديسمبر ٢٠١٨م المجيدتان ، ظلتا في حاجة لقيادات تعبران عنهما بصورة صحيحة وليس على شاكلة مني اركو مناوي وزملائه ، وقيادات قوى الحرية والتغيير الإطاري في الطرف الأخر .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x