مقالات الرأي

ياسر عرمان هلا تمهلت (1)



بقلم: الصادق علي حسن

الخطأ الأكثر فداحة عقب عزل البشير عدم استعادة مشروع تأسيس الدولة السودانية بمرجعية قواعده التشريعية الخمس المجازة ديمقراطيا ، فمهما كانت هنالك من ملاحظات ومآخذ على ذلك المشروع فهو مشروع التأسيس ، كما هنالك خياران فقط ان يؤخذ بالمشروع باعتباره مرجعية نشأة الدولة أو يتم تجاوزه، وفي حال تم تجاوزه سيعود الوضع الدستوري للبلاد لما قبل إقرار قواعد التأسيس في 1955م ، في التجارب الديمقراطية الثلاث السابقة وعقب إزاحة الشمولية بثورة شعبية( أكتوبر 1964 و أبريل 1985) يجري العمل على الإستعادة الإجرائية لمشروع التأسيس ، ولكن عقب إزاحة الشمولية الثالثة بثورة ديسمبر المجيدة 2018م، قامت قوى الحرية والتغيير بالخروج عن مسار التأسيس الدستوري السليم واستحدثت ما أسمتها بالوثيقة الدستورية وهي عبارة عن وثيقة معيبة لم تقم على المرجعية التعاقدية الصادرة من كافة مواطني الدولة السودانية والتي تم تعطيلها في 30 يونيو 89 ، وفي هذه الوثيقة الدستورية المعيبة منحت قوى الحرية والتغيير العسكر ولأول مرة في تاريخ البلاد حق ممارسة العمل السياسي، بل اعترفت لهم بحق إبرام المراكز التعاقدية مع قوى الثورة والمفضية لإنشاء مراكز قانونية من خلال ذات الوثيقة الدستورية المعيبة ،ثم أستكمل الطرفان (العسكري والمدني) الوثيقة الدستورية المعيبة بإتفاق قسمة جوبا ، لم يكن في حسبانهما سوى السلطة والوصول إليها، والآن كشفت الحرب العبثية بان مشروع الدولة السودانية تحت التأسيس بقواعده التأسيسية الخمس المجازة في 1955م في طريقه إلى التلاشي وقد تخلت عنه تماما قوى الإطاري، ولا تعلم عنه أجيال الثورة شيئا بسبب فترة الإنقطاع الذي حدث في عهد النظام البائد (30عاما)، وبمثلما ان المشروع لم يعد له اي وجود في ممارسة او تنظيم العملية السياسية، كذلك جماهير القوى والتنظيمات السياسية في ذاتها قد تغيرت ولم تعد كما كانت بذات الولاءات القديمة الموروثة، وفي ظل حدوث هذه التغييرات العامة تشكلت نخب جديدة تصدرت التكوينات السياسية ومنظمات المجتمع المدني منها قيادة قوى الحرية والتغيير، وبوضع اليد أخذت قوى الحرية والتغيير حق تمثيل قوى الثورة وانتجت الوثيقة الدستورية المعيبة في المرة الأولى كما وعقب الإنقلاب عليها بواسطة شريكها العسكري عادت ولم تتعظ أو تستفد من الدروس للمرة الثانية، لتكرر ذات الخطأ بتجربة الإطاري التي انتهت بالحرب العبثية الحالية.
كتب القيادي بقوى الإطاري الأستاذ ياسر عرمان مقالا تحت عنوان بنادق أبريل خصما على الدولة والثورة والسياسة، مع من نقف وأي حل نريد؟ وفي مقاله موضوع هذه الملاحظات تناول ياسر عرمان ما أسماه بالإنجازين ، وهما كما قال عنهما الأول تولي الشعب بنفسه تقديم المساعدات الإنسانية والثاني رفض خطاب الكراهية ، وعما أسماه ياسر بالإنجاز الأول وكأن ذلك بمثابة الإكتشاف الجديد ، فقد ظل ديدن الإنسان السوداني العادي الإيثار خاصة في النكبات والملمات، ولكن وحينما وقعت الحرب العبثية كان غالبيته يمتلك قوت يومه أو أكثر لأيام قلائل معدودات ، وبالتالي خصلة الإيثار مع وجودها في النفس كانت محدودة الأثر والنطاق لإنعدام المعينات والقدرة ولكن عززت روح التكافل بين المُعدمين، كما وأظهرت هذه الحرب العبثية خصائل لم تكن بائنة للعيان وقد ظلت خفية ، مئات الأشخاص يحملون ممتلكات الغير علنا على اكتافهم وفي وسائل النقل بكل انواعها جهارا نهارا ومن دون اي ضمير أو وازع أخلاقي ولسان حالهم يقول هذا الرزق ساقه الله الينا من غنائم الحرب وأنفالها ، كما تضاعفت السلع الغذائية بصورة مذهلة بسبب الشح في النفوس ،حتى الإيجارات لفترات مؤقتة صارت بالملايين ، وعن الإنجاز الثاني الذي قاله عنه ياسر بان الشعب رفض خطاب الكراهية، فلا اعتقد ان هذا التوصيف قد انبنى على بحث حقيقي وقد تكون مجرد انطباعات شخصية لياسر عرمان، فهذه الحرب العبثية لم تظهر فقط خطاب كراهية بل انتجت اصنافا جديدة من الكراهية قد تؤثر مستقبلا في التماسك الإجتماعي ، وغنيا عن البيان ان حميدتي هو من صنيعة البشير وأعوانه وتم تطويره في عهد البرهان وفي غفلة من قوى الحرية والتغيير السادرة في السلطة، كما ولا يفوت على أي باحث عن الحقيقة بان دولة السودان مثل دول الجوار الأفريقي من مناطق النزوح الجماعي المتأثرة بظواهر المليشيات المسلحة التي تمت رعايتها خلال حقبتي البشير والبرهان وهذه من المسائل التي لها نظمها وضوابطها في إطار اي دولة ، ولكن من نتائج هذه الحرب العبثية أنها أسست وبصورة منظمة منصات لخطاب الكراهية كما واتخذت بعضها من شيطنة كل قبيلة الرزيقات والعرب الرحل عملا يوميا ممنهجا ، مع ان الرزيقات بولاية شرق دارفور وعاصمتها الضعين معقل الرزيقات مثلا علاقتهم بهذه الحرب كالمجموعات الإجتماعية الأخرى .
لقد طرح ياسر عرمان ثلاثة اسئلة ثم أجاب عليها بنفسه صراحة وضمنا، سؤاله الأول : هل كان الفريق أول هاشم عبد المطلب الذي تولى منصب رئيس هيئة الأركان في أبريل 2019 وأبعد منه في يوليو 2019 ، خلية لوحده في القوات المسلحة ام ان للجماعة مخالب وأنياب في القوات المسلحة؟ وأستشهد ياسر بوأقعة تهديده الشخصي الذي نقله له دينق الور في الإجابة على السؤال ثم قال متسائلا، (الا يكفي ذلك لطرح قضايا اصلاح القوات المسلحة بعد ثلاثين عام من سيطرة الجماعة وتشوهات الحروب كجيش واحد مهني بعيد عن كافة القوى السياسية)، كنت لا اعتقد ان ياسر عرمان بتجربته السياسية الطويلة في حاجة لهذا السؤال والإستشهاد بواقعته الشخصية ليؤسس عليهما إجابته ، ومن المعلوم بالضرورة ان نظام البشير/ الترابي كان عبارة عن نظام لحركة الإسلام السياسي ومنذ إستيلائهما على السلطة تمت إحالة كل الضباط من غير المنتمين للحركة المذكورة أو إذا لم يكونوا على صلة بها ، كما وان قوات الدعم السريع صنيعة النظام ينطبق عليها ذات الأوصاف.
إصلاح القوات المسلحة :
خلص الأستاذ ياسر عرمان في إجابته للواقعة التي حدثت له مع الفريق أول هاشم عبد المطلب ضمن مسوغات تبرير إصلاح القوات المسلحة ، ومن دون تناوله في مقاله المذكور لأية حيثيات أومبررات كافية من تلك التي ظل يصدح بها الضباط من مختلف الرتب مٍن مٓن ابعدوا بقرارات الصالح العام السياسية منذ بداية عهدي البشير والترابي وحتى الإنفصال بينهما ثم تأسيس قوات الدعم السريع، فمسألة إصلاح القوات المسلحة من مهام السلطة المنتخبة من الشعب كما وفي تمسك البرهان في دفوعه بهذه الحجة، لا ينتقص من صحتها، وهي كلمة حق مهما اريد بها من باطل، وفي النظم الديمقراطية كما في مشروع تأسيس الدولة السودانية القوات المسلحة تكون خاضعة لسلطة منتخبة تمثل الشعب كما وليس من المنطق إسناد إصلاح القوات المسلحة لمجموعات مهما كانت غير منتخبة ديمقراطيا ، لقد كان يمكن ان يبدأ الإصلاح العسكري تلقائيا من خلال إستعادة مشروع قواعد تأسيس الدولة السودانية الذي ينص في أحكامه على وحدة الجيش، وقد كان يمكن التماس التبرير في مرحلة الشرعية الثورية، ولكن من غير المنطقي ان يكون المدخل إلى ذلك من خلال إتفاق بين رأسين (البرهان وحميدتي) وهما من قيادات النظام البائد ، ياسر عرمان وزملاؤه حاولوا تقنين تجزئة عملية إصلاح القوات المسلحة في مشروع الإتفاق الإطاري وكأن ذلك بمثابة تأجيل للحرب الدائرة حاليا وقد توافرت أسبابها , كما ان الاصلاح يبدأ بالمذهب أو العقيدة القتالية وليس مجرد محاصصات كمحاصصات أقتسام السلطة . نواصل

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x