مقالات الرأي

الإدارة الأهلية بالسودان ووقوفها في المكان الخطأ

بقلم: عبد اللطيف أحمد أبكر (بوبسون)

إن الإدارة الأهلية بالسودان قد أصبحت مؤخراً تقف في المكان الخطأ ، متناسيةً مهمتها الأساسية في رتق النسيج الإجتماعي ودعم التعايش السلمي بين المجتمعات والأعراق السودانية ، لتتعايش مع بعضها البعض في جو معافي ومتسامح ، خالي من الصراعات العرقية والقبلية ، وأن تنأي بنفسها عن إقحامها في القضايا والمبايعات السياسية ، والمناصرات الفوقية الزائفة ، دون أخذ رأي المجتمعات والقبائل التي تقودها تلك الإدارات الأهلية التابعة والموالية ، والتي غالباً ما يتم تكوينها أو تعينها بواسطة ورضي الأنظمة الصفوية المتعاقبة على سدة الحكم منذ عام 1956 وحتي كتابة هذه السطور ، سواء كانت هذه الأنظمة ديمقراطية أو عسكرية ، والتي عمدت إلي إستغلال الإدارة الأهلية وكسب تأييدها بالمال والعطايا والمناصب ، وقد قبلت بعض قيادات الإدارة الأهلية بأن يلعبوا هذا الدور الإنتهازي ، حتي ينالوا شيئاً من فتات الحاكم الظالم وقليل من إمتيازاته ، وقد وضعوا أنفسهم مع قائمة المتواطئين والظالمين والمشاركين في كافة أخطاء وخطايا الحكومات الدكتاتورية والشمولية وجرائمها المتعددة.

إن مواقف كثير من الإدارات الأهلية قد أصبحت مشوهة ومخجلة ، تستغلهم الأنظمة الحاكمة في حشد رعاياهم ومكوناتهم الإجتماعية لمبايعة الحاكم ومباركة سياساته ، وإظهار قبول شعبي وجماهيري زائف عبر الحشود المصطنعة والمشترأة بأموال الشعب وخزينة الدولة ، ولا يقفون مع خط الثورة وقضايا الوطن ، التي هي في أشد الحوجة لدعمهم ومؤازرتهم ، وقد تجاهلت هذه الفئة ، مهامها الأساسية وأدوارها الإجتماعية الجليلة وأضحت كومبارس للحاكم وتمرير أجندته المدمرة للمجتمعات.

عملت الأنظمة المستبدة علي محاربة وإستبعاد الإدارة الأهلية الشريفة ، التى رفضت الخنوع والخضوع للحاكم ورغباته ، وذلك بتكوين إدارت أهلية موازية تخدم أجندة الصفوة السياسية ، أو عبر إقصائها من خلال تعيين إدارات أهلية بديلة ، وغيرها من أساليب الإقصاء الممنهج لكل إدارة أهلية رفضت تمرير الأجندة الحكومية علي حساب مجتمعاتها.

ومن أبرز الأمثلة الحديثة للإستغلال السيئ للإدارة الأهلية ، ما عُرف ب ( إعتصام الموز والمحشي) بالقصر الجمهوري ، والذي حشدت له ما يسمي بالحرية والتغيير الميثاق الوطني (الحاضنة السياسية لإنقلاب البرهان).

إن الإدارة الأهلية تحتاج بشكلها السابق والحالي ، تحتاج إلي إصلاح شامل ، لمعالجة آثار التخريب والتجريف الذي تعرضت له من قبل الأنظمة والحكومات الصفوية ، وسن التشريعات التي تحدد مهمة ودور ومفهوم الإدارة الأهلية وعلاقتها بالسلطة ، ووقف كل العبث والإستغلال السياسي باسم الإدارة الأهلية ، حتي تصبح إدارة أهلية رشيدة تقوم بمهامها الأساسية في خدمة الشعوب والمجتمعات ودعم التعايش السلمي ورتق النسيج الإجتماعي ، وتساهم بفاعلية في عملية البناء الوطني ، دون أن تكون الإدارة الأهلية مطية للشموليين والدكتاتوريين وأجندتهم السلطوية.

هنالك من يقف ضد الإدارة الأهلية ولا يري أهمية لوجودها ، وهنالك من يتهمها بأنها تقف مع أي حكومة ديمقراطية كانت أم إنقلابية ، ولكن في تقديري أن هذا الفهم ليس سليماً ، لجهة أن هنالك إدارات أهلية رشيدة رفضت أن تكون أداة بيد السلطة، وإنحازت للثورة والتغيير ، ولعبت أدواراً مهمة في السلم الأهلي ورتق النسيج الإجتماعي ، فلا يمكن مساواتها بالإدارة الأهلية الخانعة والموالية للأنظمة المستبدة ، فضلاً عن الإدارة الأهلية تمثل العمق الإجتماعي للشعوب والمجتمعات السودانية المتعددة والمتنوعة.

يجب علي الإدارة الأهلية الوقوف مع إعلاء قيم الحق والنأي عن الباطل ، وعليها إستخدام حكمتها الموروثة عبر التأريخ في تحقيق قضايا مجتمعاتها وسلامها وإستقرارها ، ودعم الحكومات الديمقراطية التى تعمل على تطوير وتنمية ورخاء السودان وإزدهاره ، دون أن تكون أداة ومطية للأجندات السياسية الحزبية وعدم تأييد الإنقلابات العسكرية والحكومات الشمولية.

5 فبراير 2022م

                 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى