مقالات الرأي

الحركات المسلحة والدعم السريع بدارفور والسودان أوضاعهما الحالية والمستقبلية (6)

بسم الله الرحمن الرحيم


بقلم: الصادق علي حسن

الجندي المظلوم خلط الأوضاع الأهلية والسياسية بالبلاد .
المعركة بين المؤتمر الوطني وآل دقلو ظلت مؤجلة، وقيادات الحرية والتغيير غافلة .

المعارك الدائرة حاليا ظلت مؤجلة ومكتومة بين قيادتي المؤتمر الوطني وآل دقلو ، وقد فشلت خطة المؤتمر الوطني في إبعاد البرهان عن حليفه حميدتي كما وكان مشروع الإتفاق الإطاري بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير .
دولة القبيلة في دارفور :
بمثلما كان هنالك من يتحدث عن مشروع دولة مزعومة للزغاوة في دارفور الآن بدأ الحديث عن مشروع دولة مزعومة للرزيقات ، وهذا أيضا لا اساس له من الصحة ،هنا نتناول ما لحقت بقبيلة الرزيقات من هذه المزاعم التي لا اساس لها في إطار توضيح الحقائق .
النظام البائد وإستهداف قبيلة الرزيقات :
المُنقب في الأوضاع بدارفور قبيل وبعيد إندلاع الحركات المسلحة في دارفور وفي مشروع النظام البائد في إستغلال رمزية القبائل في إضعاف الأحزاب السياسية والحركات المسلحة في دارفور بعد قيامها ،يجد بان النظام البائد في سعيه للتمكين على السلطة حاول إستمالة القيادات الأهلية والرموز القبلية بالترغيب والترهيب كما وأستهدف القيادات الأهلية المؤثرة التي رفضت مشروع النظام البائد لتسيس وتجييش القبائل، وكان في مقدمة المستهدفين الإداري الأشهر المقدوم أحمد عبد الرحمن رجال مقدوم مقدومية نيالا والذي تم عزله من مقدومية نيالا بواسطة محافظ نيالا وقتذاك الحاج عطا المنان وتنصيب إبن عمه بدلا عنه، وكان المقدوم أحمد قد رفض تسيس القبائل كما رفض بشدة سياسة النظام البائد في دارفور واعتبره النظام العدو اللدود له لما ظل يجاهر به ويعلن عنه من مواقف ، وحينما اعلنت الحركات المسلحة في دارفور عن نفسها وعن مناهضتها للنظام البائد اعلن المقدوم أحمد عن تأييده التام لشعاراتها ومطالبها المرفوعة في مواجهة النظام البائد .
ناظر الرزيقات سعيد مادبو يرفض تسيس القبائل وإتخاذ القبائل منصة لمحاربة الحركات المسلحة :
الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور هي معقل قبيلة الرزيقات وقياداتها التاريخية آل مادبو ، والرزيقات من القبائل الكبيرة في دارفور والتي تمتاز بالبسالة في القتال وتميزت قيادتها بالحكمة ،وحينما ظهرت الحركات المسلحة في دارفور عام 2002م لجأ النظام لتكرار ما قام به في التصدي لحملة بولاد في بواكير عهده والإستعانة بالقبائل لمواجهة الحملة المسلحة والتي كان على قيادتها المهندس داؤود يحى بولاد الإسلامي المعروف والقائد عبد العزيز الحلو من قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة قرنق ، ولكن ناظر الرزيقات سعيد مادبو جاهر بالرفض التام علانية ومنع منسوبي قبيلته فلجأت قيادات النظام بالمركز لمحاولة تجاوز الناظر سعيد مادبو واستمالة مجموعات وعناصر من الرزيقات من خلف الناظر للخروج على الناظر سعيد ولإستخدام منسوبي القبيلة في حرب الحركات المسلحة وذلك بالتخطيط مع بعض منسوبي قبيلة الرزيقات في حزب المؤتمر الوطني والطامحين للسلطة في الأحزاب الأخرى، موقف الناظر سعيد كان مؤثرا على قبيلة الرزيقات ومسموعا كما دعم هذا الموقف الحركات المسلحة في دارفور ومنحها حماية معتبرة، فمن بعد موقف الناظر سعيد مادبو معظم الإدارات الأهلية بدارفور لم تتمكن من إتخاذ مواقف معلنة في موالاة النظام البائد في حربه مع حركات دارفور المسلحة، ولجأ البشير وأعوانه إلى تفعيل مبايعة زعماء القبائل للبشير بوفود تأتي إلى الخرطوم ولم تأت المبايعة التي كانت وسائل الإعلام وأجهزة الدولة الرسمية تنقلها للرأي العام بنتائجها المرجوة للنظام ،فاتجه النظام البائد شمالا إلى شمال دارفور وقام باستقطاب الشيخ موسى هلال لمشروعه وبالفعل استجاب موسى هلال وتم تكوين حرس الحدود بزعامته وكان غالبية حرس الحدود من عشيرته المحاميد والمهرية وهما من فروع الرزيقات ، لم تكن شخصية موسى هلال هادئة وقد كان يجاهر ببعض المواقف التي لا تنسجم مع خطط النظام البائد الإستراتيجية فتم تقليص مهام جيشه وتعينه وزيرا بديوان الحكم الإتحادي بالمركز وكون موسى هلال مجلس الصحوة الثوري، ومن نواة حرس الحدود الذي كان من ضمن جنوده محمد حمدان دقلو حميدتي كلف البشير الفريق عوض إبن عوف لتأسيس جيش بديل لحرس الحدود بمواصفات خاصة يُضعف به موسى هلال ومجلس الصحوة الثوري ويُقضي به على طموحات رئيسه موسى هلال هلال ويحارب به الحركات المسلحة، فتم إستدعاء حميدتي وتأسيس الدعم السريع من جنود غالبيته من المهرية إضافة لنواة حرس الحدود المحاميد .
عرب رزيقات شمال وغرب دارفور غالبيتهم هم الآبالة رعاة الأبل اما عرب رزيقات جنوب دارفور فهم البقارة رعاة البقر ، وبمثلما سعى النظام لنقل زعامة عموم الرزيقات والقرار فيها من الضعين ومن أسرة آل مادبو إلى مستريحة، وبعد ان خرج عليه وعن الخطة المرسوم زعيم المحاميد موسى هلال كما وقد ناصبه العداء السافر، لجأ النظام البائد لتأسيس قيادة بديلة لموسى هلال تقوم بدور موسى هلال وليس للرزيقات فحسب بل لتقود كل الإدارات الأهلية بدارفور ومن بعد التأثير السياسي على الإدارات الأهلية بكل السودان .
العمدة دقلو بديلا للسلطان صديق ميما .
الإدارات الأهلية التاريخية القائمة نشأت بموجب قانون في 1902 والذي أصدره المستعمر الثنائي وبه تم تنظيم سلطة كل قبيلة على رقعة جغرافية محددة واطلقت عليها دور القبائل واسندت لقيادات الإدارات الأهلية مهام أهلية وإدارية في نطاقها المكاني المحدد، كما وصارت لها مواريث في إختيار زعاماتها من داخل القبيلة، وكان من خطط النظام البائد في إستخدام القبائل واستغلال رمزيتها في دعم مشروعه السياسي ان كون إدارات أهلية جديدة أو قيادات موازية للقيادات الموروثة، كما اسس النظام البائد للإدارات الأهلية بموجب قانون الحكم الإتحادي بالمركز جسما مركزيا اسند رئاسته لرجل المال والأعمال الموالي للنظام البائد صديق ودعة ومن خلال هذا الجسم أستخدم النظام البائد رمزية الإدارات الأهلية في دعم نظام السياسي ،وبعد تمكين حميدتي من السلطة والمال أسند إلى عمه جمعة دقلو مهام اهلية وإدارية تجاوزت مهام السلطان صديق ودعة وبالفعل صار العمدة جمعة دقلو هو الزعيم الفعلي للإدارات الأهلية بما يغدق به عليها من أموال طائلة من خلال إبن أخيه حميدتي، وفعليا نقل إبن الأخ حميدتي لعمه جمعة الزعامة الأهلية ليس في دارفور فحسب بل في كل السودان ، فالزعامة الأهلية أصلا تقوم على الصرف والإنفاق في الشؤون الأهلية، ومؤخرا في ظل النظام البائد والحالي صار من يملك الأموال ويصرفها على قيادات القبائل يكون زعيما عليها ، وبالفعل نظمت القيادات الأهلية حفلات الإستقبال لحميدتي وعمه جمعة دقلو واصبحا زعيمان عليها ، حميدتي زعيما بالسلطة السيادية والنفوذ والعمدة جمعة دقلو زعيما اهليا فيغدق عليها حميدتي بالأموال عبر عمه جمعة دقلو الذي صار بالفعل زعيما أهليا وصاحب نفوذ على القيادات الأهلية القبلية وقبل ان تصبح قيادات قوى الحرية والتغيير الموقعة على الإتفاق الإطاري حليفة لحميدتي كان حميدتى وعمه يقولان في إحتفالات الإدارات الأهلية باستقبالهما بان القيادات الأهلية والقبائل هي صاحبة الحق والمشروعية في حكم البلاد .
عشرة سنوات لدمج الدعم السريع :
في ظل الوضع القانوني الساري المفعول وبالرغم من عيوب هذا الوضع وعدم سلامته فقد نشأت قوات الدعم السريع بتشريع صدر في ظل الوضع المعيب عام 2017 وهي قوات نظامية يتم دفع مرتبات جنودها من الخزينة العامة للدولة، ووفق الوضع الفعلي القائم ،الصحيح في التعامل مع قوات الدعم السريع إعادة ترتيب أوضاعها وقد حلت بالفعل والقانون محل قوات سلاح مشاة الدولة ، وتوفيق وترتيب أوضاع الدعم السريع مع الجيش قد لا يحتاج لعشرة كما طلب حميدتي أو حتى خمسة أعوام أو ثلاث أعوام، وقد يكون الوصف الصحيح المواءمة وليس الدمج ، فالدعم السريع كما الجيش أصلا موجود بقانون والترتيب وتوفيق الأوضاع بينهما يتم أيضا بالقانون وليس من خلال قواعد الدمج والتسريح في حالات القوات المحاربة، ولكن ما كان يخفيه حميدتي هو رغبته في الإحتفاظ بجيشه ومؤسساته خلال فترة الإنتخابات المحتملة أو ما بعدها حتى يضمن إستمرار نفوذه سواء في ظل الظروف والأوضاع الإستثنائية أو الأوضاع التي تنشأ بنتيجة العملية الإنتخابية ،وظلت قيادات قوى الحرية والتغيير الباحثة عن السلطة غافلة بل هي طامحة لتحصل على السلطة من خلال حميدتي، وهي تدرك فقط بان الظروف مواتية لها وبخلاف هذه الظروف يتعذر عليها الوصول إلى السلطة .
ضحايا الدعم السريع :
عناصر الطرفين المتحاربين أنقسمت في الوسائط مثل جماهير الكرة بين المريخ والهلال في المدرجات أو بين محبي رياضة الفروسية في سباق الخيل، وهم يمارسون التشجيع من دون أن ينظروا لهذه الحرب العبثية ومآلاتها، لقد نالت قوات الدعم السريع حظها من اللعن والسباب من مساندي البرهان والجيش في الحرب كما تم توصيف جنود الدعم السريع بالمرتزقة المستجلبين من الخارج ومن دولة تشاد ، ومن جانب مساندي حميدتي والحرب خرج التقريظ لجنود حميدتي والعمليات الحربية وقد فات على طرفي التشجيع من مساندي الحرب بان هذه الحرب عبثية وستقضي على ركائز الدولة وقد تعصف بتماسكها، الناظر لجنود الدعم السريع في الوسائط وبينهم صغار السن فهم أيضا ضحايا طموحات حميدتي وقد كان مكانهم الصحيح اسوة برصفائهم ان يكونوا في التعليم المدني والحياة المدنية وقاعات الدراسة والتأهيل الأكاديمي والفني ليتخرجوا إداريين وإقتصاديين وأطباء ومهندسين وإعلاميين ومحامين وخبراء في المجالات المتعددة وضباط بالقوات النظامية وغيرها من المهن الأخرى لا ان يصبحوا وقودا حربية لطموحات حميدتي وآل دقلو . اما الإمكانيات الضخمة المهدرة في الحرب والقتال بواسطة الطرفين فكان محلها التنمية والخدمات والتعليم وتأهيل المرافق العامة وتأهيل الجيش وليس كما نشهد من حرب ضروس لتحطيم البلاد وعاصمتها كحرب نيرون .

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x