مقالات الرأي

نظام الإنقاذ بين تعميق التناقضات و حكم التبعية المركبة

بقلم: محمد عبدالرحمن

إستلهاماً من ماضي الإنقاذ وهنا المجال لا يسمح بتناول نظام الإنقاذ الإسلامي الذي إستمر لثلاثة عقود من1989م إلى 2019م نهاية سقوطه بعد تثبيت جذوره في المؤسسات وما أحدثته من تراكمات و تغيرات في بنية السلطة والمجتمع السوداني، لا يجب الإستجابة بالأثر التراكمي السلبي الذي تركته الإنقاذ. يكفي فقط أنه أضعف مؤسسات الدولة، و عمق التناقضات السياسية والإجتماعية والطبقية بإستهجان مشروع اللاسلامي أو الإسلام السياسي الذي لا يعترف بالدولة الحديثة بحدودها السياسية ، بل رسم دولته بالحدود السياسية التي رسمها الإستعمار، وهو أول من حاول في نشر مشروع الإسلام الحضاري وإستخدامه كحقنة مخدرة لعقول وقلوب السودانيين.

فالحدود السياسية بهذا المنطلق و في وجه نظر الإنقاذ يمكن أن نطلق عليه وهمية الحدود، فالإسلام وطنه و عقيدته فأعلن الجهاد وفتح البلاد لإستقبال المجاهدين الوافدين من الدول الأخرى و عمل على تجييشهم و حقنهم بخطابات التفرقة العنصرية مما أضعف ضمائرهم و فقدوا الإنسانية في ضميرهم حيث فعلوا ما فعلوا.

جرّت البلاد إلى حروب أهلية مُسيسة شوهت وجه تاريخ السودان للعقود الماضية ، مما سبب النزاعات المسلحة المطولـــة إلى جرح و تشريد الملايين من الأشخاص التي عطلت القطاع الصحي والتعليمي وتدمير المعيشة في الأقاليم الطرفية الغنية بالموارد الطبيعية بفعل وعدم أخلاق من قيادات الإنقاذ ، فدمر الوطن كثيراً من رأسمالها الإقتصادي و كوادرها البشرية وأهدرت فرص التنمية المتوازنة.

على الصعيد الإقتصادي فقد اختلت بنية الدولة الإقتصادية نتيجة لغياب خطط ونظريات إقتصادية ناجحة ، بل وتعمد نظام الإنقاذ فرض نظرية الإقتصاد الإسلامي المتطرف كأيدولوجية وليس الإسلام كدين مما أضعف المخازن بالتطفل على معاش المواطنين وطمس حراكهم الإقتصادي وإنعدام الثقة والإستقرار السياسي.

أما سياسياً فقد وظفت الإنقاذ نظام شبه فدرالي كآلية للحكم أكثر من كونه توسيع القاعدة للمشاركة الشعبية في الحكم ، حيث تم إستخدامه كسلم ، من أولوياته الوصول إلى رأس رمح الدولة فطفح على السطح مما شجع الإنقاذ ونخب وقادة الأقاليم سعياً لتعظيم مصالحهم الشخصية (جدلية الصفوة ) حيث إرتكزت الإنقاذ على آلية الترميز التضليلي حفاظاً على إمتيازته الحزبية والشخصية.

والجدير بالذكر أن النخب الإقليمية نمت إمكاناتها وصارت تطمح وتلعب دور الهجوم المركزي الذي أدى إلى خلل في السلطة القائمة.

الشعب لم يفارق الإنتفاضات والثورات بل أصبح يخوض جولات وجولات حاسمة لحسم الزندقة والتطرف وإخراج البلاد من قبضة الصفوة الإنقاذية والعسكرية المسيسة لبناء وطن ديمقراطي حر للوصول إلى دولة مدنية حديثة ( هي الدولة التي يتعايش فيها المجتمع ويخضع فيه الجميع لقانون يضبط حياتهم ويحمي حقوقهم من الإنتهاك) أي أن الشرط الأساسي فيها ألا يخضع احد للإنتهاك في حقوقه من قبل طرف آخر شخصاً كان أم دولة أو فرد من المجتمع معنوياً كمؤسسة، و ذلك لوجود سلطة عليا ، هي سلطة القانون عبر الجهاز القضائي وبالتالي يجب إستقلال القضاء وتركه يعمل لصالح الوطن والمواطن.

علاوة على ما سبق ذكره من تجربة الإنقاذ التي أفقدت السودان هويته كقطر جغرافي بحدوده السياسية، بجانب النظر إلى ما خلفته وأورثته خلال ثلاثين عاماً وأثره المتطرف والناقد لمشروع التقدم و التغيير لبناء دولة الرفاهية المستدامة من أجل تحقيق السعادة الجماعية، والتي بدلاً منها إنغمس الإنقاذ في مشروع الإسلام الحضاري والإسلام ليس حضارة بشرية بقدر ما أنه حضارة لاهوتية هدفها تحقيق السعادة الفردية للإنسان بعد مماته والتي من شأنه أنتج جملة إرهاصات ذات طابع تبعي أو تتبعي للدولة و إنحيازه لدول الحضارة الإسلاموعروبية، بالتالي إنتقد مشروعها من قبل العقول المتحررة و المستنيرة ناظراً إلى أن الدولة كيان إعتباري مستقل من التوجهات الأيديولوجية والطائفية والدينية مرتكزاً على القانون و الدستور و هي أعلى سلطة في الدولة و دورها وضع الحد الفاصل للنزاعات الدينية والعرقية.

نظام الإنقاذ 1 والإنقاذ 2 تعمدوا في قيادة السودان طيلة تجربتهم في الحكم بآلياته المادية والمعنوية ، و لكن لا محال طالما الإرادة تبنيها الأنفس، سيظل الحراك الثوري في طبيعته ولم يتنصل عن إرادته إلى أن ينعم الوطن بالإستقرار والأمن والسلام وتقبل للآخر.

مقالات ذات صلة

1 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x